عانقوا أمهاتهم ووعدوا أبناءهم بالسفر والهدايا وغمزوا لزوجاتهم ملوحين بأيديهم، تاركين وراءهم شوارع الذكرياتٍ خالدة.. عادوا وقد طوى أجسادهم علم نرفعه عالياً ليحتضنهم تراب أجدادهم الغالي... وها هم يرقدون بسلام وقد فاضت أرواحهم تلبيةً لنداء الوطن والإنسانية. نغبطهم وندعو الله لهم بالمثابة والغفران فقد وقفوا وقفة رجلٍ واحد وقالوا بصوتٍ واحد: أبشر يا بو خالد... نحن عصاك التي لا تعصاك! لقد أثبتوا للعالم أن أبناء الإمارات أسعد وأقرب للإنسانية مما يتصورون وعند تلبية الواجب لا جدل فيما يقدمون فهم لا يهابون الموت أبداً حين يدنو ويقترب. ذهبوا خارج حدود أنفسهم فلم تبرق في مآقيهم سوى وقفات التاريخ عند مشارف المجد. هناك تقف هاماتهم إلى أبعد ما تراه العين فقد سجلهم في سطوره فأصبحوا كبشرى نجم سهيل. هؤلاء شهداء لم يكونوا من أهل الزيف يوماً؛ فكل بيتٍ تبارك بهم يستبشر اليوم بغيابهم إلى أن يجمعهم لقاء مشرف عند ربٍ كريم. أتشرف أن تقاسمت معهم هوية وطن، وتنفست معهم هواء بلادي، وحركت وجداننا قصائد الشعراء، وضحكنا معهم على نفس النكات وتداولنا تبريكات يوم الجمعة ورسائل التهنئة بالأعياد. ومثلنا كانوا ينتظرون رواتبهم في نهاية كل شهر ويدفعون فواتير التلفون ويبدلون زيت سيارتهم... ويستأذنون من دوامهم عندما يمرض أبناؤهم، تختبئ في محافظهم صور أبنائهم وأخواتهم وزوجاتهم... نحن هم بكل هذه التفاصيل وإن تركنا غيابهم في فراغٍ و فجوة يملؤها حب الوطن... هم نحن بالتأكيد ونحـن هم ... معاً نحن من قال ربُ العزة عنهم «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا». وهذا وفاء بالنية والعمل. *** للعارفين أقول: أعرف يقيناً بأن الدَّم الذي يجري في عروقي ليس ملكي بل هو في مخزن الجسد إلى أن تأتي لحظة النداء فأقول مع أبناء وطني وبصوتِ وروح الاتحاد: «لبيك يا إمارات».