تنشط العديد من الجامعات الخاصة هذه الأيام في الترويج والإعلان عن بدء تسجيل الطلاب الجدد بمناسبة قرب انطلاق الفصل الأكاديمي الثاني، وما لفت نظري في أحد هذه الإعلانات، إلى جانب إبراز اعتماد برامجها لدى«التعليم العالي» والمستوى الرفيع لأعضاء هيئة التدريس، أنها تحرص على الإشارة إلى وجود «مواقف» لسياراتهم بوفرة ومجاناً. إشارة لم تعد تقتصر على مثل هذه الجامعة، وإنما أصبحت تبرز في مختلف الإعلانات سواء لكليات أو لمعاهد، أو لمستشفيات خاصة أو لمطاعم، بل امتدت حتى لدعوات المناسبة، وهي تطمئن المدعوين للحضور وضمان عدم خروجهم من المناسبة مع مخالفة بسبب المواقف. قبل سنوات ليست بالبعيدة كنا نستغرب مثل هذه الإشارات عن توافر المواقف، ولا نلقي لها بالاً، ونتعامل معها كما لو أننا غير معنيين بها، ولكنها اليوم أصبحت واقعاً يجب التعامل معه، بل أصبحت أول ما نفكر به عند تخطيطنا للتوجه لهذا المكان أو ذاك. وقد أصبحنا نتجنب الأماكن المكتظة والتي تعاني من ندرة المواقف، وصعوبة العثور عليها. وهو نتيجة طبيعية للتوسع والنمو الكبيرين لمدننا في مختلف مناطق وإمارات الدولة. أزمة المواقف هذه التي تحركت الجهات المختصة للتعامل معها وفق خطط استراتيجية ذات مسارات متعددة، أحدها التوسع في تطبيق نظام المواقف المدفوعة. ومن جانب الجامعات على سبيل المثال يتطلب الأمر منها تفاعلاً بتشجيع الطلاب على استخدام النقل الجماعي الخاص بها، بتوفيره لهم بأسعار معقولة، لا رسوم مبالغ فيها تمثل عبئاً ثقيلاً عليهم وعلى ذويهم. كما هو حاصل الآن، والذي يصبح معه دفع إقساط شهرية لسيارة جديدة أيسر من تكاليف النقل بالحافلات المؤجرة للجامعات. هذه الجامعات التي تخالف نظيراتها في العالم بطريقة تعاملها مع طلابها، فهناك يعاني الطالب، وتوفر له كافة الخدمات الضرورية منها، وحتى الترفيهية كدخول السينما والمسارح والمتاحف بأسعار رمزية. بينما تبالغ الجامعات والمعاهد الخاصة عندنا في أسعار كل ما تقدم من أقساط الدراسة وأثمان الكتب، وحتى أسعار المقاصف التي عهد بها لمقاهٍ تحمل أسماء عالمية معروفة تبيع منتجاتها بذات الأسعار المرتفعة في فروعها داخل المراكز التجارية الكبرى. بل إن اصرار إحدى الجامعات الخاصة على إلزام طلابها استخدام حافلاتها بلغ حد إزالة محطة وقوف الحافلات العامة قبالتها، وكذلك جسر المشاة المرتبط بها. ذات مرة حدثني سفير سابق للدولة في عاصمة أوروبية كبرى، عن التسهيلات التي أتيحت له عندما سجل كطالب دكتوراه في جامعة هناك يعود تاريخها لأكثر من خمسة قرون، تسهيلات قال إنها «أفضل من المقدمة للدبلوماسيين». وهي تلخص ما يقدم من عون ودعم لطالب العلم، وليس باعتباره منجماً يجب استغلاله حتى ما بعد التخرج الذي يجب أن يقام عندنا في فندق خمس نجوم، وعلى حساب الطالب وأسرته التي يضطر بعضها لشراء تذاكر حضور أي شخص إضافي من العائلة. الكثير من تلك الجامعات بمواقفها تلك تناقض رؤية الدولة بتوفير المناخ المثالي لجعل الإمارات مركزاً لاستقطاب الطلاب الراغبين في استكمال دراساتهم الجامعية من دول الجوار والمنطقة، وتعزيز بيئة نشطة لعشرات الجامعات الخاصة العاملة. ali.alamodi@admedia.ae