نقيصة الشطارة... نحن العرب لا نعرف كيف البيع ولا كيفية الشراء، لا نعرف أن نسوّق أنفسنا بالطريقة الصحيحة، ولا نعرف أن نتبادل الرأي بصدق وأمانة، ولا ندري كيف ننصح الآخر في حدود معرفتنا وعلمنا، نخجل من قولة من قال لا أعرف فقد أفتى، ما زال الارتجال هو الذي يسير أمورنا في الحياة، نرفض التخصص، ولا نستطيع إلا أن ندخل أنوفنا في الذي لا يعنينا والذي لا نعرفه والذي لا نفقه فيه شيئاً، ولأن كل شيء عند العرب صابون، تجدنا نفتي ونحدث ونقترح حلولاً لأشياء فوق فهمنا وبعيداً عن تخصصنا، نصف أدوية لأمراض خافية علينا وعجزت عنها المعامل والمعاهد الطبية الغربية، لكننا نزكي بعض الأعشاب وبعض النصوص وبعض الأدعية، ونزهو بالمثل القائل اسأل مجرباً ولا تسأل طبيباً حتى كاد المثل الآخر ينطبق على حالنا وما وصل إليه مآلنا اربط رأسك·· وألف واحد يوصف لك دواء·
وأقل ما في العربي إذا لم يتشاطر ويفتي ويقـــترح، فإنه لا يمرر المسائل دون تعليق، وهو رأي مبطن أو مغلف، فلو طرحت مسألة التوسع العمراني الكبير في دبي، فأقل تعليق يمكن أن يصلك من غير العارفين والذين يصرون على وصول صوتهم، بعيداً عن قراءة الاقتصاد أنا أعتقد أن هناك أزمة ستحدث بسبب وفرة العرض وقلة الطلب وآخر يقول: من أين سيأتون ببشر تسكن كل هذه الشقق والفيلل؟ نفس هؤلاء الأشخاص لو سألتهم عن اسم آخر لعمارة كبيرة في دبي غير برج العرب، فسيتعلثمون، وهم بعينهم لو قلت لهم عن عود ميثاء مثلاً، ما عرفوا في أي جهة يكون·
العربي في حياته لم يقل مرة لا أعرف، أو أجهل الرد أو دعني أتأكد من المسألة، أو على حد علمي المتواضع، فهو يمكن أن يتنبأ بمصير أسود للبنان، لأن رئيس الوزراء استقال أو لأن انفجاراً وقع في آخر الضاحية، وهو في حقيقية الأمر بعيد كل البعد عن معرفة الخريطة السياسية والتركيبة الاجتماعية في البلد، ولا يعرف طبيعة الموزاييك اللبناني، وصنف آخر من هؤلاء الناس، يمكن أن يراهن ويحلف برأس أمه، أن لبنان بخير وأنه متعاف، وأنه راجع·· راجع·· يتعمر، راجع لبنان، راجع متحلي وأخضر·· أكتر ما كان والسبب أنه يملك شقة صغيرة في بحمدون المحطة·
ونحمد الله تعالى، ونشكره على فضله وسعة كرمه، أن نصف العرب لا يعرفون شيئاً عن لا مندوحة وإلا كانت وبالاً على رؤوسنا، وشراً مستطيراً لا تحمد عواقبه، لأن لا مندوحة ليست هينة في الميزان وهي ثقيلة على اللسان، ويمكن أن تجعل من كل العربان·· فهمان··