هل نحن أمام دور جديد للأسرة، وهل الأسرة تقوم بدورها المنوط بها على أكمل وجه، وهل نعيش عهد الدور الأسري الذي تنحصر فيه مسؤولية الوالدين في الإنجاب فقط، وهل بالفعل هذا الدور ينطبق عليه مفهوم الانجاب دون التربية·
هذه الأسئلة وغيرها لا تزال تؤرق نفراً من المخلصين الذين يرصدون كل يوم تراخياً أسرياً في التربية والتنشئة الاجتماعية، وتبرز مع هذا التراخي ملامح كثيرة ليس من بينها الاهتمام بالشؤون التربوية للأطفال، وفي المشهد الأسري الذي حذر منه كثيرون أسراً على الورق فقط، فالأم أوكلت دورها الأصيل في التربية إلى خادمة جاهلة تعاني من انهيار شديد في الهرم القيمي بل على الأرجح فإن هذا الهرم القيمي يختلف كلياً عن منظومة القيم التي نريد أن يكون عليها الأبناء من أسس وركائز تربوية تنطلق بهم نحو آفاق أرحب في القرن الواحد والعشرين·ولم تكتف بعض الأمهات بهذه القائمة من التنازلات للأم البديلة الخادمة فقط بل عززت أمهات أخريات هذه القائمة برصيد آخر يمنح الخادمة مصداقية مجتمعية من خلال السماح للخادمة بمتابعة الأبناء دراسياً بل والذهاب للمدرسة والاطلاع على ملفات هؤلاء الأبناء وتمثيل الأبوين كلياً وقانونياً أمام المدرسة وهي حالة بعيدة جداً لم يكن يخطر على بال أحد أن تمتد بالأمهات إلى هذه الهاوية بكل ما تحمله الكلمة من دلالات ومضامين مجتمعية·
والذين يتابعون ما يجري في ميادين المدارس يدركون جيداً الدور الحيوي الذي تقوم به بعض الخادمات للأسف الشديد نيابة عن بعض الأمهات في المدارس بدءاً من رياض الأطفال وحتى الجامعة فقد بلغت درجة الحنان ببعض الخادمات لمساعدة بعض الطالبات في انجاز تقارير علمية وأبحاث تخدم المرحلة الجامعية· لن نناقش الأسباب التي قادت الخادمات إلى هذه المواقع من الهرم القيمي الذي ظل حكراً على الوالدين لسنوات طويلة، ولن نناقش حالة الفهم التي يعيشها البعض بحثاً عن المال أو تعظيم الثروة ولن نتطرق إلى الدور الجديد لبعض الأمهات في أسواق البورصة والأسهم والسندات، ولن نسلط الضوء على حالة ذلك الأب الذي لم يجد من الأبوة سوى إتحاف المجتمع بهؤلاء الصغار والذين يلقي بهم على أقرب قارعة طريق عند أتفه خلاف أسري بينه والأم·
لن نتطرق إلى هذه المصائب التي تعصف ببعض الأسر في سبيل البحث عن المال وتعظيم الرصيد المادي على حساب أرصدة أكثر أهمية منه وخاصة ذلك الرصيد الأصيل المرتبط بعمارة الأرض وتربية الأبناء وفق معايير صحيحة·لن أخوض في هذه التفاصيل لأنني مدرك أن زيارة واحدة لمكتب أخصائي اجتماعي في مدرسة كفيلة بأن تطلعك على ما تعتبره من دروب الخيال خاصة عندما تجد خادمة آسيوية تقف أمام ادارة المدرسة لإبداء رأيها في كيفية حل مشكلة سلوكية لطالب يركض والداه كل في واد، ولن نقول عليه العوض لأنه لا يزال لدينا متسع من الوقت للإصلاح·