نحن نختلف، نتغير. من الإجحاف الحكم على الآخرين استناداً على موقف أو مرحلة.. يظل العقل البشري يعمل باستمرار، مثل طاحونة، يحاول إيجاد الطرق والمخارج ومداخيل الفهم، أحياناً يصيب، بالنسبة لمعطيات الظروف حينها، وأحياناً يخطئ، أيضاً بالنسبة لمعطيات الظروف حينها. ففي فترات لاحقة ربما يبدو ما أصاب فيه خطأ، وما أخطأه صواب. الحياة ليست أبيض وأسود. الفكرة أن نتوقف عن إطلاق الأحكام، أن نتقبل الإنسان برؤيته ونترك مساحة لاحتمالية أن يغيرها. أغلب البشر طيبون في الأصل، يتصرفون بطريقة شريرة أحياناً كردة فعل لاعتقادهم أن الآخر ينوي بهم شراً. الحقيقة تكمن في حسن الظن، من يعاديك يفعل ذلك خوفاً منك، من ظنه أنك قد تؤذيه، وقد يبادرك بالأذى. الخوف يأتي من الجهل، النفس تخاف ما تجهله، ما يدريها قد يكون هناك في الجانب الآخر المظلم وحش مختبئ؟. لذلك كانت الإضاءة ضرورة، الإضاءة بالتواصل، بتوقع الخير، بالمبادرة بالمحبة، بحسن الظن، بالرأفة بالمخاوف، يخاف منك من لا يعرفك، ولم يعرفك ربما لأنك لم تهتم بتقديم نفسك له، وربما لأنك قدمتها ولكن ليس بشكل كافٍ، ربما لأنك ظننت أنه قد عرفك من مرحباً. ربما كان محتاجاً لأكثر من ذلك. وربما لأن لغتك، طريقة نطقك، مخارج الحروف، الظروف التي أحاطت بالكلمة أو الظروف التي تخصه جعلت الكلمة تصله عكس ما أردت. ظنون كثيره قد تدور في رأسك، وفي رأسه، ربما لو جلستما، تحاورتما لكنتما الآن أخوة وأصدقاء. وهذه أيضاً ليست قاعدة، تحصل الخيانات أيضاً من الأصدقاء، الأهم أن تترك تلك المساحة، التي تقول ليس كل عدو حقاً عدواً، وليس كل صديق يبقى كذلك بالضرورة طوال الخط. الأشياء تتغير. نفسية الإنسان، فكره، توجهاته، طريقة تقبله للأشياء، كل ذلك يخضع لعوامل الحياة، عوامل الحياة المختلفة. والضغوطات على كل مستوى هي مصهر لنفس الإنسان، بعض النفوس في هذا المصهر اليومي تتألق، بعضها تبهت، بعضها تقترب منك، بعضها تبتعد، اهتم بأشيائك، بالاعتناء بك، وافترض دوماً أن الآخر صديق محتمل. نحتاج إلى بث قيم التسامح بكل السبل، التسامح وتقبل الآخر مهما بدا مختلفاً عنا. مهما عبر عن نفسه بشكل مختلف، وصادم في بعض الحالات، من يدري، قد تفاجئنا درجة التشابه حين نقترب.