يفتح الساحر جيبه، يخرج منه منديلاً وبحركة سريعة يدخله في ساعد سترته، يخرجه، فتطير حمامة.. يضع رفيقته في قفص من الحديد، يغطيها، يسحب الغطاء فتختفي، يغطي القفص، يسحبه فتعود.. يضعها في صندوق تظهر فيه واقفة بجسد كامل، يغلف الصندوق ويدخل شفرات حديدية في ثلاث فتحات بالصندوق، ومن المفترض أن تحيل الشفرات صديقته إلى ثلاث قطع بلا حركة أو نفس؛ إلا أن الرفيقة تبتسم حين يفتح الصندوق، ثم يغلقه ويخرج الشفرات الحديدية الثلاث، تخرج رفيقته من الصندوق وهي تبتسم أيضاً بجسد كامل سليم معافى.. الساحر يستخدم خدعاً بصرية، إنه يسحر عيوننا، يريها ما يريد عبر الخدعة البصرية التي يحتفظ هو بسرها. في الحياة خدع بصرية كثيرة، هي خدع ليست كخدع الساحر بدقتها وحرفيتها، إلا أنها تبقى خدع بقصد أو دون قصد، يفعلها الرجل عبر الزي وأشياء أخرى، وتفعلها المرأة أكثر؛ خدعة بصرية تؤدي إلى خدع أخرى ربما تكون للقلب أو للعقل؛ وتكرس هذه الخدع البصرية أحياناً خللاً ما في الاعتناء بالجمال، بالجسد بأناقته وحضوره، وذلك بسبب سهولة الخدع البصرية التي يحققها المكياج والملابس والمكملات الجمالية من الإكسسوارات، وغيرها على الجسد. *** يحتفظ الإغريق بمصداقية عالية في التعامل مع البصر، بحيث اعتنوا كثيراً بجمال الجسد، بقوته وحضوره البهي، سواء كان ذكراً أو أنثى، وتجسد التماثيل الإغريقية تحديداً أكبر شاهد على الاعتناء الكبير بالجسد كتقدير واحترام للبصر. للعين حين تقرر أن تحدق في هيبة الجسد، وعلى ذلك يمكن أن نقيس أموراً كثيرة في تلك الحضارة التي علمت البشرية الكثير من فن الحياة. *** في الوقت الذي تبدو فيه العديد من الأشياء في الحياة كخدع بصرية، يعمل الأدب خارج هذا الخداع البصري؛ لأن الكلمات لا يمكنها أن تخدع العين، كونها تذهب عميقاً داخل القارئ، تجول في عقله، تمر في روحه وتلمس قلبه، تنبش في ذاكرته لتقدم له متعة خاصة. وعند حدود الأدب نتساءل: كيف يمكن أن تكون الأشياء في حياتنا كما هي ناصعة بلا زيف أو رتوش تخدع البصر وتخفي الجمال الحقيقي؟