كان الحديث يدور حول الكتابة.. بين كونها إبداعاً ذاتياً، أو كتابة إعلامية بصفتها العمومية. قال أحدهم إن الصحافة لا تريد كتابة إبداعية.. وقال آخر بل إنها لا تريد كتابة ذات بعد فكري أو مغزى تنويري أو ملمح نقدي. وعلق آخر: أما الموضوعات فلا أهمية لها، إذ يمكنك أن تختار أي موضوع بشرط أن لا يكون ضد أي شيء.. هتف أحدهم فجأة: ماذا نكتب إذن؟ وكيف تكون ثمة كتابة دون أن تمس بالنقض أو النقد قشرة الحاضر على الأقل أو أن تبدي رأياً فيما يدور وما يظهر.. ضحك أحدهم وقال: يمكنك أن تكتب إلى ما لا نهاية في الصحافة العربية، فالكتابة في الصحافة لا تتطلب ثقافة متميزة، خذ مثلا مقابلة صحفية مع ممثلة أو مغنية.. هل تحتاج حينها إلى ثقافة؟ لملمة موضوعات من هنا وهناك على طريقة قص ولصق دون حتى ذكر المرجع، هل تحتاج إلى تشغيل فكر؟ تقرير عن حادثة أو حتى التعليق على حدث، هل تحتاج إلى ثقافة؟ قاطعه أحدهم: لكن كل هذا يحتاج إلى تعامل ودراية باللغة ودلالاتها، ومضامين الأفكار وسلامة صيغتها.. ضحك أحدهم مقاطعا: هل قلت الدلالة والمضامين.. وأنت تعرف أن إعلامنا لا يحتاج إلى كتابة ذات دلالة ومضامين خفية، وبالتالي فهو لا يحتاج إلى لغة تحتمل الدلالات، أو تعني أكثر من محدودية المفردة. قال أحدهم فجأة: منذ أيام قرأت في صحيفة يومية مقالاً لكاتب وشاعر معروف فذهلت.. كيف يبلغ بمثقف أن يكتب بمثل هذه السطحية، وهذه اللغة الركيكة التي لا ترقى حتى إلى الأحاديث اليومية في مقاهي المثقفين. قال آخر: وأنا قرأت زاوية منذ يومين لكاتب قاص ومعروف، لعلها لا تختلف عما قرأته أنت! ساد صمت مثقل بالأسى.. ثم تساءل أحدهم: ما العمل إذن يا جماعة؟ ضحكوا بمرارة وقالوا: لا شيء.. فقط اكتبوا إذا أردتم أن تأكلوا.. اكتبوا أي شيء عن أي شيء، فليس في عالمنا ما يجعل من الكتابة أمراً يعوّل عليه، فإذا انتفت الغاية فأية قيمة للوسيلة؟! بعد صمت أضاف أحدهم: نحن في عصر الكلام، ولسنا في عصر المعرفة التنويرية. أضاف آخر وقد بدأ الحماس والانفعال يخفت: لكنها تملأ فراغ الصحف وقليلاً فراغ الجيوب.. أما العقول فقد استقالت واستراحت في يأسها!