برحيل الشيخ صباح الأحمد الصباح، فقدنا رجلاً فذاً من جيل الرواد والآباء المؤسسين لدول الخليج، وأحد حكماء المنطقة من الرجال الذين تركوا بغيابهم فراغاً كبيراً، لكنهم في الوقت ذاته تركوا بصمة مضيئة في سجلاتهم للتاريخ. 
كان الشيخ صباح صوت الاعتدال، فتمتع بمكانة عالية بين قادة العالم، وصاحب مواقف سياسية وإنسانية يشهد بها الجميع، ولهذا فإن مغادرته حياتنا أحزننا جداً وآلمنا، وهو الذي حظي خلال حياته بمحبة صادقة وخالصة من كثيرين، وبتقدير واحترام كبيرين لشخصه ومكانته. 
سيرة مهمة تمتع بها الشيخ صباح، فهو مهندس السياسة الخارجية الحديثة لدولة الكويت، وكان دوماً وسيطاً موثوقاً به من قبل الدول الإقليمية والمجتمع الدولي، وأسهم مراراً في حل المشاكل التي سبق وأن عصفت بالمنطقة، ونال بجدارة لقب عميد الدبلوماسية، لدوره الرائد في نزع فتيل العديد من الأزمات، كما أبرز دور بلاده في العمل الخيري الإنساني، حين جعل الكويت مركزاً للعمل الإنساني، وهو ما دفع الأمم المتحدة إلى منحه لقب (أمير الإنسانية).
1963 سجل له التاريخ لحظة فارقة في عمر بلاده، حينما رفع علم الكويت، بصفته وزيراً للخارجية، فوق مبنى الأمم المتحدة، بعد إعلان الجمعية العامة قرارها آنذاك بقبول الكويت ضمن دول المنظمة، لتكون الكويت العضو (111) فيها. وفي ذلك اليوم خاطب العالم بأسره باسم بلاده الكويت من أمانة الأمم المتحدة، فقال: (إن انتماء الكويت إلى النشاط الدولي يدل بوضوح على أن الاستقلال ليس نهاية بحد ذاته، بل هو وسيلة للمشاركة في المسؤولية لتحقيق حياة أفضل لشعبها وشعوب دول العالم).
وفي عام 1990 أدى الشيخ صباح دوراً دبلوماسياً بارزاً، بحشد الدعم الدولي لقضية بلاده التي احتلها آنذاك نظام صدام حسين. أما عندما تولى مقاليد الحكم في يونيو 2006؛ فقد بدأ رحلة تطوير جديدة للكويت، فعمل على ازدهارها ودعم استقرارها. 
تميز الشيخ صباح بالحكمة، ورفع لواء التسامح، وكانت رغبته صادقة في تحقيق الأمن والأمان في المنطقة والعالم، وخلال عهده تميّزت علاقات الكويت الخارجية بالعمل على مد جسور التعاون مع الجميع، دون استثناء.
لكنه أيضاً نجح داخلياً في ترسيخ حضوره لدى الشعب، وهو الذي مكّن دعائم التنمية في الكويت، وأسهم عبر تقديم المزيد من الجهود في تعزيز اقتصادها، بتنويع مصادر الدخل وجذب الاستثمارات الخارجية، كما عمل من أجل جعلها دولة عصرية حديثة، يتمتع أبناؤها بالمساواة في الحقوق والواجبات.
ولم ينس مناصرة المرأة الكويتية ودعهما منذ أن أصبح أميراً للكويت. ففي عام 2005 تضمنت تشكيلة الحكومة أول وزيرة في تاريخ الكويت، كما سجلت الانتخابات التكميلية للمجلس البلدي حدثاً فريداً في تاريخ المرأة الكويتية السياسي، حين مارست حقها لأول مرة ترشحاً وانتخاباً. وفي العام ذاته، تم تعيين امرأتين من بين ستة أعضاء في المجلس البلدي. أما في عام 2009، فأصبحت المرأة بقرار منه عضواً في مجلس الأمة. وتوالت الإصلاحات في عهده، إلى ما قبل أشهر من رحيله، حين تم تعيين ثماني قاضيات، وهو ما كان يحدث للمرة الأولى في تاريخ الكويت. 
مسيرة طويلة للشيخ صباح الأحمد الصباح لا تُختصر، وعهد طويل من المحبة المتبادلة بينه وبين الناس، وهو الذي عُرف بهدوء شخصه، ودماثة خلقه، وابتسامته التي لم تفارق محياه إلى أن فارق دنياه. فتعازينا لأحبته أينما كانوا، وهو أقل ما يُقال، وخالص أمنياتنا الطيبة بالتوفيق للشيخ نواف الأحمد أمير الكويت الجديد في مهمة لا شك أنها جسيمة، لكن بالعزيمة والأمل والعمل لمواصلة رحلة التنمية، تُبنى الأوطان.