تولي دولة الإمارات العربية المتحدة اهتماماً بالغاً في مجال الذكاء الاصطناعي، بل وتنظر إليه على أنه المستقبل فعلاً، وذلك بالنظر لتطوره وتطبيقاته الواسعة. وفي هذا السياق جاء إطلاق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي «رعاه الله»، الأسبوع الماضي «البرنامج الوطني للمبرمجين» بهدف «توفير برنامج شامل لحزمة من المبادرات الوطنية الهادفة إلى تطوير المواهب والخبرات والمشروعات المبتكرة المتخصصة في مجال البرمجة».

الذكاء الاصطناعي لم يعد ترفاً، ولا خيالاً «علمياً» كما كانت تعرضه الأفلام أو القصص والروايات، ولم يعد يقتصر على بعض القطاعات، بل إنه «يغزو» المجالات كلها دون استثناء، حيث يعمل على أتمتة التعليم وعمليات الاستكشاف ويقوم بأداء مهام ضخمة بشكل موثوق به وبجهد أقل بكثير، كما ظهرت أهميته في مجال الطب بشكل ربما غير متوقع، وخاصة منذ ظهور فيروس كورونا «كوفيد-19»، حيث تفوق في المجالات الطبية، ومن المتوقع أن يحقق ثورة ضخمة في مجال الرعاية الصحية.

كما يساعد الذكاء الاصطناعي في قطاع الصناعة أيضاً، حيث يجعل العمليات أكثر أمناً، ويحسّن الكفاءة، ويخفض التكاليف وفي المحصلة يزيد الإيرادات. أما في قطاع النقل، فالذكاء الاصطناعي يحسّن بالفعل الكفاءة، ويساعد في تحديد المسارات وإيجاد الرحلات الأسرع والأكثر أمناً للركاب والمركبات أيضاً. كما لم يعد الاستغناء عن الذكاء الاصطناعي في الملاحة البحرية وغير البحرية ممكناً، لأنه أساسي في تعقب وتتبع وتحديد المواقع والوصول إليها بأسهل الطرق وأكثرها أمناً وتوفيراً للجهد والوقت والمال. وكذلك الأمر في مجال الفضاء، حيث يبدو الذكاء الاصطناعي واعداً وسيسهم في إحداث ثورة هائلة في هذا القطاع الحيوي الذي أصبح يحظى باهتمام واسع ويشهد منافسة عالمية غير مسبوقة، بالإضافة إلى الكثير من المجالات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي أو ستضطر قطعاً إلى استخدامه، حيث يبدو أن أياً من القطاعات أو المجالات الحياتية اليومية لا يمكن أو أنها غير قادرة على «مقاومة» إغراءاته، ولهذا كله لا عجب أن تولي دولة الإمارات العربية المتحدة هذا المجال اهتماماً بالغاً، حيث اتخذت خطوات وتبنّت إجراءات وقدمت مبادرات، من بينها على سبيل المثال لا الحصر: أولاً، إطلاق برنامج وطني للذكاء الاصطناعي الذي من صلب أهدافه تسليط الضوء على أحدث التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات، والعمل على تحقيق طموح الدولة في أن تصبح شريكاً رائداً في الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المختلفة ليس على مستوى المنطقة فقط، كما هي الآن، ولكن على مستوى العالم أيضاً.

ثانياً، إنشاء مجلس الإمارات للذكاء الاصطناعي والـ «بلوك تشين»، الذي يعمل على أن يخدم استراتيجية الدولة في هذا المجال عبر مجموعة من الأهداف التي تستند إلى «آليات رئيسية لتحديد الفرص عبر الدراسة المعمقة للنطاقات التي ستستفيد من إدراج تقنية الذكاء الاصطناعي في العمليات» ومختلف المجالات. ثالثاً، إنشاء جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، التي تعد أول جامعة متخصصة من نوعها في العالم.

ورابعاً، غيرها الكثير من الإجراءات والمبادرات الحيوية، التي تنضم إليها اليوم مبادرة فريدة من نوعها فعلاً وهي «البرنامج الوطني للمبرمجين» بالتعاون مع أفضل الشركات العالمية وخاصة في مجال البحث والبرمجة، من بينها «جوجل» و«مايكروسوفت» و«أمازون» و«لينكدإن» و«فيسبوك»، وذلك بهدف توفير برنامج شامل لحزمة من المبادرات الوطنية التي تستهدف تطوير المواهب والخبرات والمشروعات المبتكرة المتخصصة في مجال البرمجة، وتسريع تبنّي تطبيقاتها وأدواتها في مختلف القطاعات الاقتصادية والمستقبلية، وهذا بالطبع مشروع كبير، وتكمن أهميته في أنه يمثل خطوة مهمة بل وأساسية على طريق بناء اقتصاد رقمي، كما هو مخطط له في رؤى الدولة التي تسعى من خلالها أن تكون الأولى عالمياً في مختلف المجالات.


مركز تريندز للبحوث والاستشارات