في حياة كل إنسان لحظة فارقة، وهي اللحظة التي تتحول معها حياته إلى منحنى جديد مختلف ومتطور. عند هذه اللحظة ينتقل الإنسان من مرحلة إلى مرحلة مختلفة بمعطيات ومفردات حياة مختلفة.

وقد يمر الإنسان بلحظات عدة فارقة في حياته تحدث تغيرات كبيرة فيها. حين ينتصف العام تنمو الفرحة في البيوت وفي المدارس والجامعات بتخرج أجيال جديدة خلال مراحل تعليمية مختلفة، وتمثل تلك الأيام لحظاتٍ فارقةً لقطاعٍ كبير من الطلاب، خاصة الذين ينتقلون من صفوف الدراسة الجامعية إلى الحياة العملية يحملون معهم أحلامهم التي تشكلت عبر سنوات الدراسة بمراحلها المختلفة.

إن المتأمل لهذه اللحظة، يدرك أن هناك عنواناً رئيسياً لها وهو التفوق. وهنا أتوقف قليلاً حول مفهوم التفوق في العقل الجمعي للمجتمع الذي ربط ما بين التفوق والنجاح في الدارسة، وهذا ربط ومفهوم قاصر، ولا يُعبِّر عن القيمة الحقيقية لمفهوم التفوق، فهو ليس فقط الحصول على أعلى الدرجات والنجاح في التعليم، فهذه مجرد مرحلة أولى وأساسية.. التفوق هو تحويل العلم والمعرفة التي تحصّل عليها الإنسان أثناء مراحله التعليمية المختلفة إلى فكر وعمل وقيم تشكل شخصية إنسانية ووطنية سوية وفاعلة في منظومة القيم والعمل والمجتمع. ومن المفاهيم التي يجب أن نعيد النظر في بنيتها داخل العقل الجمعي للمجتمع الإماراتي، هو الربط بين العلم والمناهج الدراسية.

لا بد وأن نكسر هذا الربط، فالعلم ليس مجرد المنهج الدراسي وامتحان نهاية العام، وتحصيل الدرجات، بل هو استمرارية التعلم عبر المزيد منْ التزود بالمعرفة وتنمية المهارات المستمر، والأهم بناء يقين في الضمير الجمعي للمجتمع، خاصة الأجيال الجديدة، بأن العلم الحقيقي هو إنتاج المعرفة وإعادة بناء الحقائق العلمية، وأن العلم لا ينتهي بدراسة ما توصل إليه السابقون، بل البدء من تلك النقطة والإضافة عليها من خلال البحث العلمي والتفكير النقدي والبحث اتكاءً على التجربة والمعرفة.

هنا يأتي دور مهم للمنظومة التعليمية في الدولة من تنمية مهارة البحث العلمي والمعرفي عند الطلاب منذ مراحلهم الأساسية، ولا نكتفي بتعليمهم مهاراته في مرحلة الجامعة، بل يجب أن يكون هناك منهج خاص بالبحث العلمي ومهاراته مع تنمية تلك المهارة على مدار المراحل الدراسية الأولى، حتى يكون الطالب في الجامعة ليس مجرد طالب بل باحث علم ومعرفة قادر على تنمية المهارات المعرفية، وحتى تأتي مرحلته الفارقة التي يتحول فيها من باحث للعلم إلى منتج للعلم والمعرفة، هكذا يمكن أن نصنع أجيالاً قادمة من العلماء القادرين على صناعة المستقبل الحضاري لدولة الإمارات العربية المتحدة، أجيالاً تكون جزءاً فاعلاً في منظومة الإنتاج العلمي والمعرفة في الحضارة الإنسانية.

عند تلك النقطة ستكون اللحظة الفارقة ليس مجرد النجاح في الدراسة والتخرج بل هي اكتشاف حقيقة علمية جديدة أو الإضافة إلى حقيقة سابقة، وأيضاً إنتاج فكر معرفي والإضافة إلى الرصيد الإنساني من العلم والمعرفة والفكر مثلما كان لحظة إعلان قيام الاتحاد هي اللحظة الفارقة في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة وبناء الأمن المجتمعي للدولة، فإن تربية وتنمية أبنائنا صغاراً على منهجية البحث العلمي وإنتاج العلم والفكر والثقافة، هي لحظة فارقة في التاريخ الحضاري لدولة الإمارات العربية المتحدة، تكون داعماً رئيسياً في تحقيق التطور والنمو المستدام، والحفاظ على أمن مجتمعي قوي ومتماسك، وحضارة إماراتية عميقة الأثر في التاريخ الإنساني.

*باحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي، أستاذ زائر بكليات التقنية العليا للطالبات، أستاذ زائر بجامعة الإمارات العربية المتحدة.