رغم قوة زوبعة كورونا، التي جعلت من كل هشاشة وضعف هدفاً تذروه الرياح، إلا أن الجائحة العالمية (كوفيد-19)، كشفت ما هو غير متوقع في العديد من الأطر والمجالات عامةً، وفي القارة الأوروبية بشكل خاص، لا سيما أنها برزت للعالم بأنظمة ضعيفة، معوزة لأساسيات مواجهة ذلك الوباء، من معدات طبية، وطواقم، وحتى الكمامات التي تحمي بها رئات مواطنيها! 

وقد شهدت القارة الأوروبية في الفترة الماضية العديد من التلميحات، سواء من خلال الأحداث، أو تصريحات الخبراء والمسؤولين، التي تلزمها بإدارة دفة بوصلتها نحو التغيير فعلى أوروبا التفكير جيداً في مكانتها في الواقع الجديد الذي لن تسعى فيه الولايات المتحدة إلى لعب دور الزعيم العالمي، بحسب تصريح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مما يعني أن تغير المعطيات، يقود أوروبا لإنتاج قواعد جديدة في إدارتها وأساليب سياستها الداخلية والخارجية. 
وفي حين يرى الخبير الاقتصادي الأردني طلال أبو غزالة أن أحد أسباب سيطرة كورونا على العالم هو عدم وجود نظام يقود العالم، وعدم وجود موقف موحد بين دول العالم يضع خطة موحدة لمواجهة الفيروس المستجد، تصاعدت العديد من الظواهر التي تتسم بـ«الأنانية» على غير المتوقع من دول سحبت البساط من تحت عماد التعاون المأمول في الأزمات، مخلفاً تصدعاً في جدار الوحدة الأوروبية. 

وفي إمعان نقاط ضعف الإدارة الأوروبية للجائحة، والتي يمكن تلخيصها في ثلاث نقاط: مالية بانعدام سياسة نقدية موحدة، ومؤسساتية، غير واضحة الملامح فيما يتعلق باعتماد آلية اتخاذ القرارات بالأغلبية بدلاً أو الإجماع، وسياسية مترددة الخطى نحو طبيعة وحدتها، إلا أننا نستطيع أن نبصر نمو براعم جديدة للصورة الأوروبية في النظام العالمي القادم، تسعى لإعادة التماسك الأوروبي واستثمار كافة العثرات في مجال التصحيح والتقويم الأدائي لمؤسساتها، انطلاقاً نحو تعزيز حضورها على مستوى العالم، وهو الأمر الذي سيتحقق بحسب إحدى السيناريوهات المتوقعة، المنشورة بدراسة لمركز الإمارات للسياسات، والتي تتحسس تداعيات وباء كورونا على الاتحاد الأوروبي ومستقبله. 

وبحسب تلك الدراسة، يرتبط نجاح الاتحاد الأوروبي في الفترة القادمة، بمدى فعالية خطته الحالية في مواجهة أزمة كورونا والقدرة على التخفيف من آثارها، ومدى قدرة الاتحاد الأوروبي على إثبات مرونته في التعامل مع التداعيات القادمة، إضافةً للتوصل لتوافق يسمو على الاختلافات الماضية القريبة، بهدف الخروج من الأزمة، وإنعاش الاقتصاد، من خلال انتهاج آليات فنية ومالية فعالة لإنقاذ الاقتصادات المتأثرة وإعادة بناء القطاعات الصحية الأوروبية، وبالتأكيد كل ذلك يضاف لثمرة الخبرة التي ستحصدها دول الاتحاد الأوروبي من الأزمة الحالية، لتفادي الوقوع في ذات المطبات، ولإجراء إصلاحات عميقة في هيكليته وسياساته، وخاصة السياسات النقدية الموحدة.
وفي ظل ترقب العالم انتهاء كابوس كورونا، وعودة الحياة لطبيعتها الآمنة، وبخاصة في ظل تصريحات مؤسس شركة «بيونتك» للأدوية التي طورت لقاح فايزر بيونتك (أوغور شاهين)، والتي يشير فيها لاقتراب دول أوروبا من السيطرة على الوباء بحلول الصيف القادم، رغم ازدياد ملحوظ في وتيرة الإصابات وضعف عملية توزيع اللقاحات. وعلى أية حال، فإن الطابع الأوروبي الذي سيغلب في النهاية، هو نتاج الخطوات، والقرارات المتخذة في الوقت الحالي، والتي تجعل من مستقبل الاتحاد الأوروبي، مرهوناً بالمؤشرات المتأرجحة، من شدة أو شراسة موجات الوباء، وتوفير الدول لمستلزماتها الكافية، فهل ستتمكن القارة العجوز من استعادة شبابها وحيويتها؟ وهل ستستطيع التغلب على كافة العوامل والتحديات الصعبة، والانطلاق من جديد نحو بارقة أمل تجعل العالم يشهد لها بتميزها؟