لا غرو أن خطاب جلالة الملك محمد السادس ليوم 20 أغسطس 2021 بمناسبة ثورة الملك والشعب، يحمل معاني خاصة وإجابات دقيقة على مجموعة من الأسئلة التي وسمت المدة الأخيرة، وهذا الخطاب هو خطاب الصراحة وخطاب الحكمة وخطاب البناء الاستراتيجي الجديد:

- فالقوة الناعمة للمغرب تقلق العديد من الدول، وهو ما تأكد بالملموس، في مواجهة الهجمات المدروسة التي يتعرض لها المغرب، في الفترة الأخيرة، من طرف بعض الدول، والمنظمات المعروفة بعدائها للمغرب، كما جاء في الخطاب الملكي. فالمغرب مستهدف، لأنه دولة عريقة، تمتد لأكثر من اثني عشر قرناً، فضلاً عن تاريخها الأمازيغي الطويل، وتتولى أمورها ملكية مواطنة، منذ أزيد من أربعة قرون، في ارتباط قوي بين العرش والشعب.. والمغرب مستهدف أيضاً، لما يتمتع به من نعمة الأمن والاستقرار، التي لا تقدر بثمن.

- وقد ساهم الاستقرار والانفتاح السياسيان في إعطاء المغرب مصداقية كبيرة، قارياً ودولياً، وتقدير شركاء المغرب العالميين، وثقة كبار المستثمرين، كشركات «بوينغ» و«رينو» و«بيجو» و«سافران» و«إيرباس».. التي تتواجد جميعاً في المغرب. - كما أن المغرب هو الذي نشر الإسلام الوسطي في منطقة الساحل وجنوب الصحراء، والعديد من دول أفريقيا اليوم تطرق باب التسامح والتكوين الدينيين المثاليين في المغرب، لتكوين أئمتها فوق التراب المغربي.

-    فرض المغرب اليوم ذاته كفاعل أساسي، سواء على الصعيدين السياسي والدبلوماسي أم في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. والتنمية متعددة الأبعاد التي حققها المغرب، يقدم من خلالها للعالم أجمل صورة عن بلد من بلدان الجنوب مختلف عن الآخرين. ثم إن المغرب فهم قواعد النظام العالمي، ووعى الأحداث المتتالية التي تقع في الساحة الدولية، واستطاع التموقع في نادي الدول الكبرى، وأجاد قواعد الحذر والرصانة دون هياج ولا ضجيج ودون أية رغبة في الهيمنة على الآخر كيفما كان نوعه، والتجذير لقواعد جديدة في العمليات التبادلية. وأسس المغرب لقاعدة مفادها أن أي نجاح اقتصادي تحققه دولة، لا يعني بالضرورة فشل الآخر أو حمله على الفشل في إطار ثنائية «صديق-عدو»، إذ يأخذ بدلاً من ذلك بمبدأ «رابح-رابح» win-win. كما أن مصالح شعوب المنطقة التي يدعو إليها المغرب هي في حسن النية والوحدة والتكامل والاندماج والواقعية والعمل الجاد وروح المسؤولية والوضوح والطموح. فالمغرب تغير فعلاً، ومغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، وهو ماضٍ في بناء علاقاته مع شركائه التقليديين حسب القواعد الجيواستراتيجية الجديدة، وبعقلية جديدة تقطع بصفة لا رجعة فيها مع العقلية الكولونيالية البائدة، وهذا المنطق هو الذي يحكم توجه المغرب اليوم، في علاقته مع الجارة إسبانيا.

-    فالمشكل كما جاء في الخطاب الملكي، أن قليلاً من الدول، خاصة الأوروبية، التي تعد للأسف من الشركاء التقليديين للمغرب، تخاف على مصالحها الاقتصادية، وعلى أسواقها ومراكز نفوذها، بالمنطقة المغاربية. كما أن بعض قياداتها، لم تستوعب أن المشكل ليس في أنظمة بلدان المغرب الكبير، وإنما في أنظمتهم التي تعيش على الماضي، ولا تستطيع أن تساير التطورات. وقد أبانت الشهور الأخيرة، كما جاء في الخطاب الملكي، أن هذه الدول تعرف ضعفاً كبيراً، في احترام مؤسسات الدولة، ومهامها التقليدية الأساسية. لذلك يريدون أن نصبح مثلهم، من خلال خلق مبررات لا أساس لها من الصحة. والنتيجة للأسف أن هذه الدول لا تريد أن تفهم بأن قواعد التعامل تغيرت، وبأن دولنا قادرة على تدبير أمورها، واستثمار مواردها وطاقاتها، لصالح شعوب المنطقة.

-    نعم إنهم لتلك الأسباب يحسدوننا، فتم تجنيد كل الوسائل الممكنة، واستعمال عدة وسائل لتوريط المغرب، في مشاكل وخلافات مع العديد من الدول، بل هناك تقارير، كما جاء في الخطاب الملكي، تجاوزت كل الحدود. فبدل أن تدعو إلى دعم جهود المغرب، في توازن بين دول المنطقة، قدمت توصيات بعرقلة مسيرته التنموية، بدعوى أنها تخلق اختلالاً بين البلدان المغاربية. كما دبروا حملة واسعة، لتشويه صورة المؤسسة الأمنية المغربية التي تشتغل بحرفية ونجاعة قل مثيلها وتستند إليها الدول الأوروبية وأميركا لكي يبقى العالم أكثر أمناً وأماناً.

-    ورب ضارة نافعة، فحسد الحاسدين لا يزيد بلداً مثل المغرب إلا إيماناً وإصراراً على البناء الاستراتيجي للدولة، وعلى جعلها دولة المؤسسات ذات المصداقية الوطنية والدولية.

*أكاديمي مغربي