الزيارة التي قام بها سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي لسوريا ولقاء الرئيس بشار الأسد والتي جاءت بعد نحو عشر سنوات من القطيعة بين دمشق وحاضنتها العربية، وحظيت باهتمام دولي واسع، كونها أول زيارة لمسؤول من دولة الإمارات العربية المتحدة بهذا المستوى الرفيع لسوريا منذ عقد كامل، تنطوي على دلالات وأبعاد استراتيجية مهمة.

فمن المعروف أن دبلوماسية دولة الإمارات بما تمتلك من هدوء ورزانة وحكمة لا تتحرك في الملفات العربية بشكل منفرد، حيث يلاحظ أن الدولة شاركت في التصدي لمحاولات جماعة الحوثي الهيمنة على مقدرات الدولة اليمنية، تحت مظلة التحالف العربي، كما تعمل الإمارات في مختلف الملفات العربية الأخرى بالتنسيق والتعاون مع بقية عواصم صناعة القرار العربي في المرحلة الراهنة، لذا فإن تحركها نحو سوريا لا يعكس توجهاً منفرداً بل يعبر عن نوايا وتوجهات عربية لم تتبلور بعد بشكل جماعي رسمي لأسباب واعتبارات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمناخ العلاقات العربية العربية، وما يعانيه من انقسامات وتباينات فرضتها ظروف المرحلة الراهنة في العلاقات الإقليمية والدولية.

ولذا فإن دولة الإمارات تسعى من خلال هذه الزيارة إلى حلحلة الموقف العربي تجاه دمشق، ومنح هذا الموقف قوة دفع إيجابية قوية، وأخذ زمام المبادرة في هذا الشأن بحكم ما يميز السياسة الخارجية الإماراتية وتحركاتها في الساحتين الإقليمية والدولية من جرأة تحتاجها الملفات المعقدة والجامدة أحياناً، وتفكير خارج الصندوق لا يخضع للقواعد الروتينية التي لا تتماشى مع خطورة الأزمات التي تعانيها بعض دول المنطقة، ولاسيما على الصعيد الإنساني، وفي مقدمتها سوريا

.كما عكست الزيارة حقائق ومتغيرات استراتيجية جديدة تتصل باتجاهات السياسة الخارجية الإماراتية، فالزيارة التي قوبلت أميركياً بالتعبير عن «القلق» من الزيارة ومن «الرسالة التي تفهم من ورائها» كما قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، وفرنسياً بالتأكيد على أنها «خيار سيادي» إماراتي، تعكس نسبياً التغيرات التي تطرأ على الدور الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، فالشراكة الاستراتيجية القائمة بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات باتت تمتلك من المرونة بحيث تصبح قادرة على استيعاب وفهم حرية حركة كل شريك في التعامل مع ملفات تتماس مع الطرف الآخر، فالولايات المتحدة تدرك أهمية دور الإمارات في الحفاظ على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط والعالم، والإمارات بدورها لا تريد الاصطدام بالشريك الأميركي، ولكنها تسعى في الوقت ذاته لتحقيق أهداف استراتيجية تتعلق بعودة سوريا للحاضنة العربية وما يرتبط بذلك من دعم لهذا البلد العربي من أجل إعادة الإعمار والتخلص من نفوذ الدول الإقليمية والميليشيات الطائفية الموالية لها، والتي تتخذ من سوريا نقاط تمركز لها منذ بدايات الصراع.

المؤكد أن استمرار عزلة سوريا عربياً في هذه الظروف ينطوي على تأثيرات سلبية خطيرة، فهناك محاولات من القوى الإقليمية التوسعية التي تدخلت في الصراع الدائر في سوريا لتقسيم هذا البلد العربي إلى مناطق نفوذ متعددة، والجغرافيا السورية تبدو ممزقة بين تنظيمات ارهابية وجماعات مدعومة من قوى دولية، وثالثة تقع تحت نفوذ قوى اقليمية توسعية، لذلك بادرت دولة الإمارات بمد يد العون إلى سوريا تفادياً لوقوع المزيد من المعاناة على الشعب السوري الذي يعاني بالأساس أزمة اقتصادية متفاقمة جراء ظروف الحرب وتدهور الأوضاع في لبنان، الذي يعد أحد الشرايين الحيوية للاقتصاد السوري.

ترى دولة الإمارات أن وضع حد للأزمة في سوريا والتوصل إلى حل سياسي يضمن وحدة أراضي سوريا وسيادتها، ويعيد إليها الأمن والاستقرار يَصب في مصلحة الأمن والاستقرار الإقليمي سواء لجهة عودة اللاجئين السوريين أو انهاء تواجد تنظيمات الإرهاب على الأراضي السورية، فضلاً عن وضع العلاقات العربية السورية كمعادل موضوعي لدور بعض القوى الإقليمية في سوريا، إن لم يكن بهدف انهاء هذا الدور فعلى الأقل الحد من تأثيراته.

لقد جاءت زيارة سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إلى سوريا في توقيت وظروف مناسبة كونها تتكئ على موقف روسي داعم بقوة للتقارب العربي- السوري، كما تأتي الزيارة قبل انعقاد القمة العربية المقبلة بنحو أربعة أشهر، لتوفر وقتاً كافياً أمام الأطراف كافة لإعادة دراسة مواقفها تجاه سوريا، ما يجسد فعلياً فكرة مد الجسور التي تتبناها الدبلوماسية الإماراتية، لاسيما في ظل معطيات مهمة مثل استئناف المحادثات النووية بين إيران والقوى الدولية الكبرى سعياً لإحياء الاتفاق النووي، ورغبة الولايات المتحدة في تبريد أزمات منطقة الشرق الأوسط كي تتفرغ للتصدي للتحدي الاستراتيجي المترتب على الصعود الصيني.

* إعلامي وكاتب إماراتي