شهد فيروس كوفيد-19 تحورات عدة منذ ظهوره في ديسمبر 2019، والتي ربما كان أهمها وأخطرها، هما النسختان دلتا وأميكرون. فالفيروسات غالباً، إذا ما سنحت لها الفرصة، أن تتكاثر وأن تصنع نسخاً من نفسها عبر أجيال متعاقبة، فقد تتغير تركيبتها الوراثية، وهو ما يعتبر أمراً طبيعياً. هذا التغيرات، والتي تعرف بالطفرات الجينية، إذا ما تراكمت، فتعرف النسخة الجديدة من الفيروس بأنها نسخة متحورة.

هذه العملية -الطبيعية- تزداد احتمالات حدوثها، إذا ما سمح للفيروس بالانتشار على شكل واسع في مجموعة من الكائنات الحية أو من البشر، والتسبب في أعداد كبيرة من العدوى، فكلما أتيحت الفرصة للفيروس بالانتشار، زاد تكاثره، وزادت فرص تعرض الأجيال المتعاقبة منه لتغيرات وتحورات. وعلى ما يبدو أن هذا السيناريو هو ما حدث بالضبط مع كوفيد19، على مرحلتين. المرحلة الأولى، أي مرحلة ما قبل تطوير التطعيمات الفعالة، حيث كان الفيروس يسرح ويمرح في جميع أصقاع الأرض، دون رادع أو حائل.

أما في المرحلة الثانية، أي مرحلة ما بعد تطوير التطعيمات، فقد أدى فقدان العدالة في توزيع التطعيمات خلال هذه الفترة، إلى انتشار وتكاثر الفيروس، ليخرج علينا مؤخراً بالنسخة الأخيرة منه المعروفة بالأميكرون. حجم فقدان العدالة هذا، أو الفجوة في توزيع التطعيمات بين الدول الغنية والفقيرة، يتضح من حقيقة أنه بحلول نهاية نوفمبر الماضي، كان قد تم توزيع 8 مليارات جرعة تطعيم على مستوى العالم، ولكن لم يكن قد تم تطعيم إلا واحد فقط من بين كل أربعة من أفراد الطواقم الطبية في القارة الإفريقية، ناهيك عن باقي السكان والذي كانت نسبة تطعيمهم أقل من ذلك بكثير.

وهو ما ينطبق أيضاً على الفحوصات الخاصة بتشخيص المرض، حيث لم تستفيد الدول الفقيرة إلا من 4 فحوصات فقط، من بين كل ألف فحص تم استخدامهم حتى الآن. وهو ما يعني أن في الوقت الذي استخدم فيه 996 فحصاً في الدول الغنية، تم استخدام 4 فحوصات فقط في الدول الفقيرة. ولذا، إذا ما كان للجهود الرامية للقضاء على الوباء الحالي أن تبلغ غايتها، فلا بد من سد هذه الفجوة وتحقيق العدالة في التطعيمات والفحوصات، بين الدول الغنية والدول الفقيرة، وإلا ستسنح الفرصة حينها للفيروس كي يحور لنسخ أكثر قدرة على العدوى وأشد ضراوة وشراسة، ليرتد حينها على الدول التي ظنت أنها بتحقيق معدلات مرتفعة من التطعيمات لأفراد شعوبها، قد ضمنت لهم الوقاية والأمان. وهو بالتحديد السيناريو الحادث الآن، فأميكرون الذي ظهر جنوب القارة السمراء، يتسبب حالياً في عدد غير مسبوق من الإصابات بين شعوب أوروبا وأميركا الشمالية.

* كاتب متخصص في الشؤون العلمية والتقنية.