تأسس مفهوم القومية العربية أو العروبة على أنه شعب عربي واحد وما يجمعه هو اللغة والدين والثقافة والتاريخ والجغرافيا ضمن الحدود من المحيط إلى الخليج. وهنا نجد أن مفهوم العروبة قد اختزل منطقة متعددة الأعراق والأديان والثقافات إلى أمة من عرق ودين وثقافة واحدة، وبالتالي ظهر افتخار العرب بجنسهم وبشعور العرب أنهم أمة متميزة ضمن الإسلام، ثم تبلورت القومية العربية بأيديولوجيات مثل الحركة الناصرية والتيار البعثي، والتي تشدقت بشعارات اشتراكية تأسست على أساسها الجمهوريات في مصر وسوريا، ودول أخرى في المنطقة سارت على نفس المسار. وبعد ذلك دخلت الحركات الأصولية والأحزاب المتأسلمة التي ركبت موجة القومية وأعطتها الطابع الثوري المعادي للأنظمة، والذي كانت نتيجته ما يسمى «الربيع العربي»، الذي تسبب في تشريد الملايين وخسائر بلغت قيمتها مئات المليارات من الدولارات.

لذلك كان لا بد من تحديث مفهوم القومية العربية أو العروبة إلى مفهوم شامل ومنتج يحترم التنوع الثقافي والديني والعرقي في المنطقة، ويستثمر في العقول، لكي تكون التنافسية والأفضلية ليس بناء على العرق والدين الذي يولد العنصرية والقبلية والطائفية، بل بناء على الإنتاجية والابتكار في العلوم والبحوث المختلفة، وهذا ما قدمه بالفعل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في مبادرة «نوابغ العرب»، وهو أكبر حراك عربي يقوده متحف المستقبل، المَعلم العالمي الجديد في دولة الإمارات. فهذه المبادرة تقوم بدعم ورعاية أهم 1000 نابغة عربي خلال 5 سنوات، وسيتم الاهتمام بالنوابغ علمياً وبحثياً وربطهم مع أكبر المفكرين والعلماء والشركات في العالم وتطوير أفكارهم لتعظيم أثرهم الإيجابي في هذه المسارات الرئيسية التي تشمل: الفيزياء والرياضيات، والبرمجيات وعلوم البيانات، والاقتصاد، والجامعات والأبحاث العلمية وغيرها، ودعمهم علمياً وبحثياً.

وأعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تخصيص 100 مليون درهم وتشكيل لجنة تتألف من 4 وزراء – معالي محمد القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء ورئيس متحف المستقبل،  ومعالي سارة الأميري وزيرة الدولة للتكنولوجيا المتقدمة ورئيسة وكالة الإمارات للفضاء، ومعالي عمر العلماء وزير دولة للذكاء الاصطناعي، ومعالي شما المزروعي وزيرة الشباب – لوضع منظومة متكاملة للإشراف على النوابغ العرب.

وفي تغريدة على حسابه الرسمي على موقع «تويتر»، قال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «قمنا بتشييد مَعلم علمي عالمي – متحف المستقبل... سيكون هو المركز الفكري والإداري لهذا الحراك العلمي العربي الجديد.. شخصياً أراهن على العلم والعلماء وأصحاب الأفكار لتغيير واقعنا العربي نحو الأفضل».

إن الهدف الأساسي من القومية العربية أو العروبة هو بناء حضارة التي لا تكون بتفاخر الأمم بعرقها ودينها بل بالاستثمار في نوابغها «لأن الأمة التي تقدر علماءها ونوابغها ومفكريها هي التي تصنع الحضارات وتشق طريقها للسيادة والريادة والتفوق»، لتكون بلاد الفرص والنجاح وهذا ما يقوم به قادة الإمارات.

* باحثة سعودية في الإعلام السياسي.