مع بداية فصل الشتاء القاسي لهذا العام، انتشرت مؤخراً على وسائل التواصل الاجتماعي، بشكل موسع وملحوظ، صورة لطفل عربي وهو يبكي وسط كثبان من الثلج الأبيض إلى حد ركبتيه أمام أحد مخيمات اللاجئين، وكان يحتضن أسطوانة غاز فارغة ظناً منه أنها ستجلب له الدفء، أو أن أحداً سيأتي ويشعل النار كي تمنحه الحرارةَ، وذلك لشدة إحساسه بالبرد وحاجته للدفء في هذا الظرف العصيب للغاية. إنه مشهد يتكرر سنوياً في فصل الشتاء الذي لا يرحم صغيراً ولا كبيراً، لاسيما في المناطق الباردة من شمال العالم العربي.
ويبدو أن الطفل الصغير الذي يصرخ ويستنجد بالإنسانية من هول ما أصابه من برد مؤلم وقاس، وهو مهجّر ولاجئ في أحد مخيمات اللاجئين العرب الذين طُردوا من ديارهم التي كانت آمنة مستقرة في السابق، وحيث مساكنهم الشعبية التي كانت متواضعةً، لكنها كانت توفر لهم المأوى والدفء والأمان رغم صغرها. لقد فروا منها بسبب الأوضاع المضطربة في بلادهم، وقد أصبحت ساحات لتصفية الحسابات السياسية للأحزاب والمجاميع والطوائف المسلحة المتقاتلة على الغنائم والموارد في بلاد كانت آمنة ومستقرة بلا حروب ولا إرهاب ولا نزاعات.. لكن «الربيع العربي» المشؤوم دمّر البلادَ والعبادَ وشرّد البشر وأحرق الشجر بمعاول مشاريع دولية وخطط خبيثة وأياد داخلية ساهمت في تأجيج الصراع الطائفي والمذهبي والعرقي والإثني والمناطقي والحزبي والقبلي.. لتقسيم الدول وتفتيت لحمتها وشرذمة مجتمعاتها وتشريد سكانها وتهجير شعبها وذوبان هويتها الوطنية. وبذلك دخلت العديد من البلدان حالةَ الفوضى والخراب والدمار، وباتت تسبح فوق برك من الدماء وركام من الجثث والمقابر الجماعية، بعد أن شبت نيران الاقتتال الأهلي وانتشر القتل على الهوية وسادت الروح الدموية في تفاصيل الحياة اليومية.
وما يزال ذلك الطفل، المسكين البريء المشرد في عراء النزوح واللجوء، وهو يضع يده على أسطوانة الغاز الفارغة، أملاً في الحصول على الدفء وعلى طبق طعام دسم وشهي.. لكنه إلى الآن ما يزال ضحيةً لمجرم سلاح أو تاجر حرب أو سياسي فاسد محتال.. يحققون رغباتهم الشخصية غير مبالين بمصير ملايين الأشخاص بينهم الأطفال والنساء وكبار السن والمرضى. وبسبب أولئك اللصوص بات هذا الطفل البريء مشرداً في العراء، بلا مأوى ولا دفء ولا غاز ولا وطن ولا بيت.
لكن أين المنظمات الإنسانية والهيئات والمؤسسات والجمعيات الخيرية.. التي تدعي حماية الإنسان ورعاية الطفولة من الضياع والهلاك والتشرد والتهجير والموت برداً.. في زمن العولمة والنظام العالمي الجديد الذي بشرونا بأنه سيصبح مظلةً ضافيةً وكافيةً وآمنةً لحماية الإنسان وحقوقه أينما وُجد.. بينما لا يجد هذا الطفل خيمةً دافئة تحميه من الرياح والأمطار والثلوج؟!
ويحدث هذا بينما هناك منظمات وهيئات تشرف على مصارعة الثيران في صالات مغلقة، وأخرى تُعنى بحقوق القطط والكلاب، وكل الحيوانات السائبة وغير السائبة، وتطالب لها بظروف مريحة تتوافر لها فيها كامل شروط الحرية!


 كاتب سعودي