بعد مرور ما يقرب من العامين على الجائحة، تواصل متحورات جديدة، مثل أوميكرون، انتشارها السريع عبر مختلف بلدان العالم. وسيظل «كوفيد-19» تحدياً كبيراً فيما يبدو لطريقة الحكم حول العالم في عام 2022.

فكيف كان أداء الحكومات في مكافحة «كوفيد-19»؟ ولماذا تختلف النتائج الصحية في بعض البلدان اختلافاً جذرياً عن غيرها؟ يُظهر بحث كاتبي هذا المقال بالتعاون مع لوكاس غونزاليس وأنتونيلا بيريني، أن طريقة وضع الحكومات لصيغة استجابتها للجائحة من الأمور المهمة للغاية. والدول التي وضعت سياسات للتصدي للجائحة، بالتعاون مع منظمات حكومية وغير حكومية، تكبدت في الغالب عدداً أقلَّ من الوفيات.

لقد أنقذ التعاون كثيراً من الأرواح. لا تقدم عوامل سياسية أخرى تفسيراً شافياً لمدى فعالية استجابات الحكومات المختلفة للجائحة. فوجود نظام ديمقراطي أو عدم وجوده تمخض عن نتائج متباينة في عدد الوفيات. وتظهر أبحاث أخرى أن الأنظمة السياسية، سواء كانت اتحادية أم مركزية، لم تثبت ميزةً واضحة خلال العام الأول من الجائحة. وتباين أيضاً سجل الزعماء الشعبويين في مواجهة الجائحة.

وحتى الأيديولوجية السياسية لا تفسر بوضوح كامل سبب نجاح بعض الحكومات مقارنة بغيرها في التصدي للجائحة. ولا يتعين على المرء إلا المقارنة بين الأداء الضعيف للرئيس خايير بولسونارو في البرازيل وبين أداء محافظ يميني آخر هو لويس لاكال رئيس أوروغواي، الذي برزت صورتُه كزعيم عالمي في احتواء الوفيات المرتبطة بفيروس كورونا خلال العام الأول للجائحة. التصدي لـ«كوفيد-19» مشكلة سياسية معقدة.

والفيروس لا يبالي بحدود الدول والأقاليم، وله تأثير عميق على الصحة والتعليم والاقتصاد والهجرة ومجالات عمومية أخرى كثيرة. والتعاون من الوسائل الفعالة في التصدي لمشكلة مثل «كوفيد-19». والحكومات حين تتعاون، تعمل مع مجموعة متنوعة من الأشخاص والجماعات لوضع سياسة عامة. ومنظمات القطاع العام والخاص بما تمثله من جماعات ومصالح مختلفة توفر طائفةً متنوعةً من المهارات والموارد.

وتعامل الحكومات مع هذه المنظمات، بطلب المشورة والتقييم النقدي، يؤدي عادةً إلى اتباع سياسة أفضل. وفي البحث، قمنا بإحصاء عدد المرات التي اجتمع فيها الفرع التنفيذي مع جماعات مختلفة، باستخدام تقارير نشرتها ثلاث صحف رئيسية على الأقل. وطرحنا أسئلة عن اجتماع الرئيس بالمنظمات الاجتماعية لمعالجة سياسة الحجر الصحي وإغلاق المدارس. ويحصل البلد على نقطة في كل مرة يلتقي فيها فرعه التنفيذي مع منظمات اجتماعية حول المسائل المختلفة المتعلقة بالجائحة، بما في ذلك الحجر الصحي وإغلاق المدارس.

وتعكس نقاط التعاون الاجتماعي لبلد ما إجمالي نقاطه في كل مسألة من هذه المسائل. وفحصنا أيضاً مجالات أخرى مثل مدى كفاءة عمل الحكومات القومية مع رؤساء البلديات وحكام الأقاليم ودرجات التعاون المؤسسي بين البيروقراطيين على المستويين القومي والمحلي والتعاون مع علماء مستقلين وأيضاً مع القطاع الخاص. وتتضمن درجة التعاون الإجمالية لبلد ما تعاون الفرع التنفيذي على كل هذه المستويات.

وأحصينا درجات التعاون في أميركا اللاتينية، وهي منطقة تأثرت بشكل غير متناسب بالجائحة. لكن النتائج التي توصلنا إليها يمكن تطبيقها على أي جزء من العالم. وقمنا بقياس مدى التأثير المحتمل للتعاون على معدلات وفيات الجائحة، وفقاً لمعلومات مستقاة من موقع «عالمنا في بيانات». وتوصلنا إلى أنه في ظل ظروف معينة، ارتبط التعاون بعدد أقل من وفيات الجائحة. فعلى سبيل المثال، قلَّت أعداد وفيات الجائحة في البلدان التي اجتمعت فيها الحكومات مع المنظمات الاجتماعية حول توزيع اللقاحات. وينطبق الشيء نفسه على البلدان التي تعاون فيها البيروقراطيون الاتحاديون والمحليون في سياسة الحجر الصحي. ورصدنا كذلك عدداً أقل من الوفيات في حال توافر تعاون بين الحكومات والنقابات العمالية.

وهذه النتائج أيدها فحص دقيق لأوروجواي والبرازيل والأرجنتين. فقد أنكر بولسونارو خطورة الفيروس وانتقد توصيات الصحة العامة الصادرة عن علماء البرازيل المستقلين وحكام الولايات. وعلى نقيض هذا، عمل لاكال (رئيس أوروجواي) وألبرتو فرنانديز (الرئيس الأرجنتيني) عن كثب مع علماء مستقلين ومنظمات اجتماعية وإدارات محلية. فهل كان لهذا التعاون تأثير في الأرجنتين وأوروجواي؟

ربما، ففي وقت مبكر، كانت الأرجنتين وأوروغواي من بين الأفضل أداءً في العالم في احتواء العدوى والوفيات، بينما عانت البرازيل. والتعاون يساعدنا على فهم هذه النتائج. فعلى سبيل المثال، في الأشهر الأولى من الجائحة حين كانت الأرجنتين رائدةً على مستوى العالم في التصدي للجائحة، عمل الرئيس عن كثب مع حكام المقاطعات. لكن هذا التعاون انهار بعد بضعة أشهر من الجائحة. وارتفع معدل الوفيات بعد نحو ستة أشهر من النزاعات بين الإدارات الحكومية المختلفة حول سياسة التصدي للجائحة.

ويساعد كل هذا في فهم تأثير التعاون. فالحكومات حين تتعاون، تستطيع حشد موارد مختلفة تقدمها جماعات مختلفة. وفي أوروجواي، على سبيل المثال، استفاد الرئيس من معرفة العلماء المستقلين والموارد والبنية التحتية للشركات العامة والخاصة في إنتاج تطبيق «Coronavirus UY» المجاني الذي قدم معلومات حول فهم واختبار وتتبع «كوفيد-19». والمنظمات المختلفة تمثل مصالح مختلفة. ويؤدي هذا، من ثم، إلى سياسات أكثر شمولاً.

وعملت الحكومة الأرجنتينية عن كثب مع زعماء الحركات الاجتماعية الذين ساعدوا في ضمان حصول السكان أصحاب الأوضاع الهشة على إغاثة ومعلومات بشأن تطورات تدابير الإغلاق. ويساعد التعاون أيضاً في إنتاج رسائل أكثر اتساقاً حول سياسة الحجر الصحي. فقد جاهر بولسونارو برفضه لخطاب الإغلاق الذي روَّج له حكام أقاليم وعلماء.

وأدى تضارب الرسائل إلى ارتباك فهم المواطنين ما ينبغي عمله في التصدي للجائحة. ويستطيع التعاون أيضاً دعم المشاركة، وليس المنافسة، في موارد محدودة، مثل المعدات الطبية والكمامات وغيرها. لكن التعاون ليس سهلاً أو شائعاً. ففي القرن الحادي والعشرين، يعد «كوفيد-19» واحداً من مشكلات عالمية معقدة كثيرة، مثل التجارة الدولية في المخدرات وتغير المناخ والهجرة القسرية. وقد يساهم التعاون في صياغة استجابة أفضل لهذه القضايا. لكن التعاون مازال نادراً جداً.

والموارد تُوزع بشكل غير متكافئ بين البلدان وداخل البلد الواحد. وتتفاوت المنظمات، داخل وخارج الحكومة، في نفوذها السياسي وقوتها المالية والمؤسسية. ولذا يجب على البحث المستقبلي التنقيب في كيفية تحفيز التعاون. ومن الصعب أيضاً استدامة التعاون كما اتضح هذا في الأداء الضعيف للأرجنتين وأوروغواي في عام الجائحة الثاني. كما يجب السؤال عما عساه يضعف التعاون بمجرد حدوثه وما عساه يدعمه!

ماتياس بيانكي* وجينفر سير**

*المدير التنفيذي لمنظمة «Asuntos del Sur» المعنية بتقدم حلول حول المساواة

**أستاذ العلوم السياسية المساعد في جامعة توركواتو دي تيلا -بوينس آيرس.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»