الاحتفاء بالمعلّم وتكريمه والاعتراف بفضله على المجتمع حقٌّ وواجب من ناحية، ودلالة على نضجٍ ورقيّ في الرؤية والتفكير من ناحية أخرى، فهو واحد من اللّبِنات الأساسية التي يقوم عليها بناء المجتمع وتحصينه، وهو صانع الأجيال الذي يَرعى الفضيلة والأخلاق وينقُش في قلوب وعقول الناشئة، إذا أحسن أداء رسالته، ما يعينهم على اكتشاف أسرار الحياة وسبر أغوارها ومواجهتها بثقة واقتدارٍ منطلقهما المعرفة وامتلاك السلطان الذي يتيح لهم ذلك.
ومن الثابت الذي لا يجادل فيه أحد، أنّ هذه المهنة التي تحتاج إلى مهارات وقدرات ذاتية تشكّل القاعدة التي تبنى عليها عملية التعليم، وفي مقدّمة تلك القدرات سعة الصدر واستيعاب الآخرين واحتواؤهم، ليست كأي مهنة أخرى، لأنها المنطلق والمبتدأ في بِناء الإنسان وتشكيله وصياغة تفكيره، فالمعلم هو الذي يؤسِّس للمجتمع ويقدّم له الطبيب والمهندس والأديب والشاعر، وغير ذلك من المهن التي لا يمكن لها أن تنهض أو تجِد روادَها وطالبيها من دونه. 
من هذا المنطلق وإدراكاً لهذا الدور الكبير، واعترافاً بالفضل لأهله، يأتي إفراد وتخصيص يوم الخامس من أكتوبر من كلّ عام، يوماً للمعلّم، صاحب الرسالة الأنبل عبْر التاريخ، والعطاء الغزير، ليشعر كلّ من يحمل هذه الرسالة أنّ له في القلوب والضمائر مكانة لا يمكن أن تهتزّ أو تتراجع، وأنه سيظلّ المؤتمن على الدوام على عقول الأبناء، وليرفع المجتمع بكلّ أطيافه تحية مملوءة بالتقدير والعرفان والامتنان لمنابع العطاء التي لا تكلّ ولا تملّ لتنشئ للوطن أبناء صالحين قادرين على أداء الواجب في الميادين كلّها، وليقول له الجميع بصوت واحد: 
«قف شامخاً عانق هناك الأنجما يكفيك فخراً أن تكون معلّماً».
وهنا في الإمارات، يحظى المعلم بالمكانة والتقدير اللذين يستحقهما، ويلقى كلّ الرعاية والاهتمام من قيادة رشيدة تحرص على الدوام على تمكينه، سواء في الجانب المهني عبر تأهيله وتمكينه من امتلاك التقنيات والأساليب الحديثة التي تعينه في أداء مهمته، أو في الجانب الإنساني من خلال ترسيخ مكانته في المجتمع، وتقدير عطائه وتوفير المستوى المعيشي الذي يليق به، وتشجيعه على التميّز والاستمرار في التطوّر والتطوير عبر الجوائز العديدة التي تكرّم إنجازاته. 
المعلمون جنود مجهولون يحملون مشاعل التنوير، ويُضحّون من أجل أن يدفعوا عن الأجيال شبح آفة الجهل والأمية التي تكبِت القدرات والإمكانات، وتهدر المواهب وتضعها في مهبّ رياح الانحراف الفكري والسلوكي، وتجعل من أبناء المجتمع فرائس يسهل اصطيادها من قِبل تيارات الانحراف الفكري والسلوكي والمتربّصين بالوطن، ليصبحوا وبدل أن يكونوا سواعد للبناء والتنمية، معاول هدم وتخريب، وثغرات يمكن استغلالها والولوج منها للنخر في نسيجه.
وصدق من قال: كاد المعلّم أن يكون رسولاً.

عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية