في عام 1095 نشر الإمام أبو حامد الغزالي كتابه الشهير «تهافت الفلاسفة»، وهو كتاب ينتقد السياق الرئيسي للفلسفة اليونانية والإسلامية، وفي نحو عام 1180 نشر الفيلسوف الكبير ابن رشد كتابه «تهافت التهافت»، وهو ردّ على كتاب الغزالي «تهافت الفلاسفة».
مضى نحو ألف عام على كتاب «تهافت الفلاسفة»، وكلما قرأت في الفلسفة الحديثة والمعاصرة شعرت بالحاجة إلى عنوان موازٍ «تلاسن الفلاسفة» ذلك أن الخلافات الفكرية بين نجوم العقل في عصر الحداثة وما بعده، قد شهدت معارك حادّة، غاب في بعضها أدب الحوار، وكانت قاعات المحاضرات والأروقة الفكرية تشهد ما يمكن تسميته «سبّ الفلاسفة».
إن واحداً من أشهر نماذج السُّباب الفلسفي ذلك الذي وجهه الفيلسوف الألماني «شوبنهاور» إلى «هيجل» فيلسوف ألمانيا الكبير.
عمل هيجل أستاذاً مرموقاً للفلسفة في جامعة برلين، وكان رئيس لجنة تعيين الأساتذة التي قامت بتعيين شوبنهاور أستاذاً للفلسفة بالجامعة، على الرغم من أن هيجل رئيس اللجنة لم يكن مقتنعاً بذلك.
لم يكن شوبنهاور هو الآخر مقتنعاً بهيجل، وقد زاد عداؤه له حين عمل معه في قسم الفلسفة، حتى أنه جعل موعد محاضرته هو الموعد نفسه لمحاضرة هيجل، ولمّا كان هيجل نجماً فلسفياً له أعداد كبيرة من التلاميذ والمريدين، بينما لم يكن الصف الأول في محاضرة شوبنهاور يكتمل في معظم الأحيان، زادت نقمة شوبنهاور على هيجل، ثم إنه غادر العمل بالجامعة، وراح يصوب جزءاً من سهامه نحو هيجل وفلسفته.
كانت تلك الحقبة بمثابة العصر الذهبي للعقل الألماني، فقد كان شوبنهاور معاصراً لهيجل وزميلاً له، وقد شهد كلاهما «إيمانويل كانط» وكارل ماركس وفريدريك نيتشه، كما كان أديب ألمانيا الأشهر«جوته» معاصراً لهما، بل كان ضمن الحضور في صالون والدة شوبنهاور الثقافي، وأما الموسيقار الكبير «فاجنر» فقد كان يراسل شوبنهاور، وأرسل له نصاً أوبرالياً كاملاً للاطلاع عليه. 
ولقد كان زحام الفلاسفة والمفكرين والأدباء والموسيقيين في تلك الفترة زحاماً شديداً، حتى ليبدو الأمر وكأنه بركاناً للعقل قد انفجر في ربوع ألمانيا، بعد أن كان خامداً لقرون.
ثمّة حوارات فلسفية راقية لا نهاية لها، ولكن نقد شوبنهاور لهيجل كان أقرب لما نسميه «تلاسن الفلاسفة». وصف شوبنهاور هيجل بأنه «حيوان نافق» أو «حمار ميّت». ويقول شوبنهاور عن كتاب «هيجل» الأشهر «علم وصف ظواهر العقل»: «كنتُ كلما فتحت هذا الكتاب شعرت بأنني أفتح نافذة أحد مستشفيات الأمراض العقلية»!
اعتبر شوبنهاور أن هيجل مثقف وصولي، وأنه يهدف لإرضاء السلطة وجنى المال، ثم إن فلسفته مليئة بالتكلُّف والغموض، ويستخدم ذلك الغموض في حماية نفسه، ولكنه ليس سوى مضلّل، ومشعوذ!
بعيداً عن تلاسُن الفلاسفة.. كان هيجل يؤمن بأن الحياة تمضي إلى الأحسن، وأن التاريخ يسير نحو الأفضل، وكان شوبنهاور متشائماً.. لا يرى خيراً في الناس ولا في التاريخ.
تقف إبداعات العلوم والتكنولوجيا المذهلة في عالم اليوم إلى جانب هيجل، وتقف الأسلحة النووية والجوع والمناخ إلى جانب شوبنهاور.. وبينهما تدور احتمالات هذا القرن: تقدم التاريخ أو نهاية التاريخ.
*كاتب مصري