زارنا الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، منذ أيام، في الجامعة الأورومتوسطية بفاس، حيث ألقى محاضرةً حول «مسؤولياتنا الاستراتيجية في السياق الجيوسياسي الحالي». والسيد بوريل سياسي مخضرم بدأ ينال شهرته منذ عام 1993، وهو رجل دولة ذو تجربة كبيرة، التحق بصفوف «حزب العمال الاشتراكي» في إسبانيا قبل نحو 48 عاماً، وانتُخب لعضوية برلمان بلاده في العديد من الدورات، كما شغل منصب رئيس البرلمان الأوروبي بين عامي 2004 و2007، وهو أيضاً تقني ومهندس دولة، وكان وزيراً لمرات عدة.
حضر المحاضرة، بالخصوص، طلبةُ الجامعة ومسؤولوها وأعضاءُ هيئة التدريس فيها وأعضاء من مجلس إدارتها، وقدّم لهذه المحاضرة رئيسُ الجامعة السيد مصطفى بوسمينة، وهو واحد من كبار العلماء في العالَم في مجال الفيزياء، وتُعد أبحاثُه مرجعاً دولياً لا غنى عنه في مجاله، وهو ثمرة الجامعات المغربية والأوروبية والأميركية.
تناول بوريل في محاضرته الوضعيةَ الجيوسياسيةَ الصعبةَ التي يعيشها العالَم حالياً، بسبب تداعيات الحرب التي اندلعت في فبراير من العام الماضي في أوكرانيا، والتي كان ولا يزال لها تأثيرها القوي على العالم بأسره، لا سيما من خلال ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية. كما توقف الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، في محاضرته المذكورة، عند الأزمة الصحية العالمية التي أحدثتها جائحة «كوفيد-19»، لا سيما في ظل الارتفاع الأخير لحالات الإصابة في الصين، وموجات الجفاف والفيضانات وآثارها السلبية في العديد من مناطق العالم، وكذا ارتفاع عدد اللاجئين في مناطق عدة من الكرة الأرضية، ووضعية الحرب التي تشهدها هذه المناطق.
وفي معرض حديثه عن الرأسمال البشري، أكّد المسؤول الأوروبي ضرورة إيلاء المزيد من الأهمية للأجيال الصاعدة وعلى أهمية الاستثمار بشكل أكبر في التعليم على نحو خاص.
وقد سعدتُ كثيراً بزيارة الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، وسعدتُ أكثر بالحديث الذي دار بينه وبين طلاب الجامعة من المغرب وأفريقيا والفضاء العربي والمتوسطي، وكانت تدخلات هؤلاء تعبّر عن سعة علمهم وعن إلمام بالحقائق الاستراتيجية رغم صغر سنهم، وهم يمثلون نخبة الغذ ويحملون تصوراً جديداً للنظام الإقليمي ولما يجب أن تكون عليه العلاقات بين الشمال والجنوب، خاصةً ونحن نعرف الكثير عن دول الشمال أكثر مما تعرفه دول الشمال عن الجنوب. كما كانت سعادتي أكثر بتجاذب أطراف الحديث بيننا نحن أعضاء مجلس إدارة الجامعة مع الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، على هامش المحاضرة، إذ وجدتُ أن السيد بوريل يتكئ على جدار فكري وأيديولوجي عقلاني في رؤيته وتعاطيه مع الأحداث السياسية في العالم، ووجدته محباً للأسرة المتوسطية الواحدة والبيت المجتمعي المشترك، وللإرث الحضاري والتاريخي والثقافي واللغوي الغني الذي يجمع بيننا. كما خرجتُ بقناعة أن مثل هذه الجامعات يجب أن تكون مراكز دائمة لبلورة الأفكار والبدائل والاستراتيجيات لما فيه مصلحة الشعوب.

*أكاديمي مغربي