أعاد انهيارُ مصرف سيليكون فالي إلى الأذهان الأزمةَ الماليةَ العالمية التي بدأت بإفلاس بنك ليمان براذرز في سبتمبر 2008، وهزت أسواقَ المال في عدد كبير من الدول. ولهذا أُثير سؤال طبيعي عن احتمال حدوث أزمة مالية عالمية مرة أخرى، وخاصةً في ظل حالة من عدم اليقين تُخّيمُ على الأسواق منذ مطلع العقد الحالي على الأقل. 
غير أن المقارنةَ بين الأزمتين تفيد أنهما مختلفتان في طابعهما. ورغم أن ضعف التحوط لمخاطر مالية محتملة قاسمٌ مشتركٌ بينهما، فثمة فارقان أساسيان. الأول أن ما حدث في عام 2008 كان أزمةً هيكليةً ممتدةً نتجت عن تراكم على مدى سنوات، في حين أن أزمة عام 2023 تبدو حتى الآن طارئةً أو عابرةً.
لقد بدأت أزمة عام 2008 قبل إفلاس المصارف بسنوات، بسبب التوسع الشديد في قروض الرهن العقاري بفوائد متغيرة كانت تزيد كل عام بمقدار الارتفاع في سعر العقار. وأدى ذلك إلى عدم قدرة أعداد متزايدة من المقترضين على سداد أقساط القروض وفوائدها في الآجال المحددة، فتراجعت السيولةُ لدى عدد معتبر من المصارف، فلجأت إلى مصادرة منازل العاجزين عن السداد من أجل إعادة بيعها. ولأن هذه عملية يطول أمدُها، فقد انكشفت المصارفُ الأكثرُ توسعاً في قروض الرهن العقاري، وأعلنت إفلاسها تدريجياً.
لقد كانت معالمُ أزمة عام 2008 واضحة قبل أن تنفجر، بخلاف أزمة مصرف سيليكون فالي الناتجة عن ظرف طارئ. كان هذا المصرف قد استثمر قسماً كبيراً من أموال المُودعين في شراء سندات بفائدة ثابتة 1.5% في آخر عام 2021. وكان هذا قراراً رشيداً في حينه، لأن سعرَ الفائدة المصرفية كان دون النصف في المائة. ولهذا كانت الأرباح المنتظرة مِن الفرق بين السعرين كبيرة. لكن أحداً في ذلك الوقت لم يتوقع أن تنشب حربٌ في أوكرانيا بعد أسابيع، فتتفاقم أزمةُ الاقتصاد العالمي وترتفع معدلات التضخم، فتتجه المصارفُ المركزيةُ إلى رفع أسعار الفائدة المصرفية، كما يحدث في مثل هذا الظرف. 
ورفع الاحتياطيُ الفيدراليُ الأميركيُ سعرَ الفائدة عدة مرات حتى بلغ 4.5%، أي ثلاثة أمثال قيمة الفائدة التي يحصل عليها سيليكون فالي من السندات التي اشتراها. ولم تفلح إدارته في الخروج من المأزق، ربما لأنها تأخرت في التحرك بحثاً عن حل، فهرع مستثمرون ومودعون لسحب أموالهم بشكل جماعي فيما يُطلق عليه Bank Run، فانهارت قيمة سهم الشركة المالكة للمصرف، وصار ضرورياً غلْقُه ووضعُه في عهدة مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية سعياً إلى حصر نطاق الأزمة.
أما الفارق الثاني فهو في طبيعة تعاملات هذا البنك مقارنةً بالمصارف التي انهارت في عام 2008. يتعامل سيليكون فالي بالأساس مع قطاع التكنولوجيا المتقدمة الصغير بطابعه، بخلاف مصارف عام 2008 التي شملت تعاملاتُها الواسعةُ قطاعَ العقارات الكبير جداً بطابعه أيضاً. والمفترض نظرياً أنه كلما ضاق نطاقُ التعاملات صغُر حجمُ الأزمة.
ونظراً لهذا الاختلاف في طبيعة الأزمتين، يُرجَّح أن تكون الآثارُ السلبية للأزمة الراهنة أقل مما حدث في عام 2008. 

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية