توسعت علاقة الإنسان بالوسائل التكنولوجية واستخدامه قنوات الإعلام المختلفة، حتى بات الفضاء الرقمي عالماً قائماً بذاته يؤثر ويتأثر بالواقع المعاش. ولذا فقد أُولي من الاهتمام مساحةً واسعةً منذ النصف الثاني من القرن العشرين بتصدر حركة تفاعل قوية من مختلف المؤسسات الغربية بهدف تثبيت ما يسمى «ثقافة الشاشة» في المؤسسات التعليمية، وعياً بضرورة وجود تنظيمي وأخلاقي يوائم تلك المرحلة بطرحها الجديد. وظهرت العديدُ من التصورات لمستقبل «تربية إعلامية»، كذلك الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، خلال إعلان جرانولد عام 1982، والذي ضم في توصياته الإشارةَ لضرورة التكامل الوظيفي بين الآباء والمعلمين والمختصين في الإعلام وصنّاع القرار.. لجعل التربية الإعلامية ذات تأثير أوسع، من خلال بناء منظومة وعي نقدي أوسع لدى سائر المتَلقين، بالإضافة للأثر المترتب على الدمج بين نظم الاتصال والتعليم من تقدم ملموس وأكثر فعالية في حقل التعليم. 
وفي ضوء تطور العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا، واعتبارهما متلازمين في شتى مجالات الحياة، كان لا بد من «قوننة» ضابطة للسلوك المتبادل بين استخدام الإنسان لأدوات التطور الرقمي، وحجم الصلاحيات الموكلة للتقنية في حياتنا. وحين يأتي الحديث عن أكبر حقل واقعي ملامس لواقع معظم المجتمعات، فإن الإعلام بصورة مكبرة، ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل دقيق.. تكون لها الصدارة، مما يجعلها ثورة حقيقيةً في مجالات الاتصال وتبادل المعلومات والإبداع في الأعمال. 
إن أخلقة الإعلام، أو تفعيل القنوات كافة والوسائل الرقمية من خلال إطار أخلاقي ملزِم، باتت ضرورةً عائدة لعمومية الاستخدام التكنولوجي الذي لا يُستثنى منه اليومَ أحدٌ في مجتمعاتنا، إذ يستخدم الفضاءُ الرقمي والإعلامي (وسائل التواصل الاجتماعي) الأطفال وطلبة المدارس والشباب وحتى كبار السن.. الأمر الذي يضاعف أهميةَ اكتساب القدرة على نشر ثقافة إعلامية تمنح كلَّ مستَخدِم الكفاءةَ الكافيةَ لفهم ونقد المحتوى، والمشاركة في إنتاجه بصورة مبتكرة وإبداعية تُسهِم بشكل مباشر كمشاركة فعالة وإيجابية، أياً كان طرحها. 
وما يبث الأملَ فينا أن أجيالَنا اليومَ تسير بخطى استباقية وسريعة في «محو الأمية الإعلامية» التي أصبحت تتخطى كل الألفبائيات المهارية والأساسية إلى فهم صورة الإعلام الكبيرة، وبخاصة أن هذا المجال، بالإضافة للمعلوماتية الرقمية، انتقل من الانحسار في المختصين به ليشمل شرائح المجتمع كافة التي تخالط المعلوماتيةُ الرقميةُ مختلفَ مراحل حياتها ومجالات نشاطها الترفيهية والتعليمية والتربوية والتثقيفية، وغيرها. ومن هنا كان الخطابُ الأخلاقي الإعلامي ضرورةً يجب صهرها في ألفبائيات المعرفة الإنسانية بالتكنولوجيا الإعلامية، من خلال تأطير أساليب التعامل مع شبكات ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة، وتكوين صورة واعية عن مسارات الإعلام المعاصر، وبناء خلفية عن مسارات الإعلان عن طريق الإعلام، وتوضيح حدود حرية التعبير، وتثبيت رؤية واضحة عن حقوق الإنسان، وماهية الحوار بين الثقافات المؤسسة على رسم الخطوط العريضة عن علاقة الأنا بالآخر. 
التربية الإعلامية أو إدخال الحس الأخلاقي في شتى المنافذ الإعلامية المعاصرة، بداية صحيحة لتفعيل دور الإعلام في التعليم من خلال فتح منافذ التطوير ونقل المعرفة وتجاوز التحديات التعليمية، إضافةً لأثرها الاجتماعي العميق الذي يساعد على التفاعل والاندماج وتوفير فرص مشاركة وتعاون لا حدود لها، مما يؤول لبناء ثقافة حضارية إنسانية معاصرة ذات رؤية صارمة إزاء مختلف أشكال التطرف أو الكراهية، لا سيما أن التربيةَ الإعلاميةَ تجعل من المستخدم جندياً حقيقياً متسلحاً بالمعرفة الواضحة، ضد الجماعات التي تحاول استغلال الفضاء الرقمي بتحويله من منحة لمحنة وأداة تخريب. 

*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة