تكمن أهمية مبادرة «نوابغ العرب»، التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في استقطابها العلماءَ والنوابغَ الذين تميزوا في حقول علمية ومعرفية، تحتاجها المنطقة العربية لتستفيد من علمهم وخبرتهم، وتعيد لهم الاعتبار بتكريمهم في الإمارات التي تهتم بالمتميزين والموهوبين والمبتكرين، ولكي تدرك المنطقة أن لهم الدور الحاسم في صناعة المستقبل.

وقد اقترنت هذه المبادرة بجائزة كبرى تُمنح في مجالات عدة، وسيكون لها أثر كبير على أداء العلماء والعباقرة، لأن التكريم يحفِّز دائماً على المزيد من الإبداع.

والإنفاق على هذه الجائزة ليس مجازفة، لأنها ذات أبعاد حضارية، وتدل على نظرة مستقبلية تراعي أهميةَ مساهمة النوابغ في إحداث نُقلة للمنطقة في مجالات تحتاج إليها المجتمعات، مثل الطب والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والتخطيط للمدن الذكية، وأبحاث الطاقة البديلة وغيرها. وعندما تجمع هذه المبادرةُ العلماءَ والمفكرين والمخترعين والمبتكرين وأصحابَ المواهب الاستثنائية فهذا نجاح لها، وتؤكد كذلك ريادةَ الإمارات في الاهتمام بالإبداع والابتكار، كأساس للتطور والتنافسية، في ظل التحديات والفرص التي يشهدها العصرُ الحالي، كما تقدم فرصةً لإبراز الإنجازات والمساهمات التي قدمها المبدعون العرب، ونشر قصص النجاح التي حققوها ليلهموا أجيالاً قادمة من الموهوبين.

ولطالما ظلت منطقتُنا العربيةُ تشكو من هجرة العقول، واستنزاف المواهب التي تفضِّل الهجرةَ إلى الدول التي تتبنى الإنفاق على البحث العلمي، وتكرّم المتميزين والعباقرة. وما من شك في أن مبادرة «نوابغ العرب»، تمثل بدايةَ الحل العملي لهذه الإشكالية، إذ ستساهم في استعادة العقول المهاجرة، وتهيئة الأجواء العلمية والبحثية لها، ودعمها لإفادة المجتمعات العربية من علمها.

وعندما ننظر إلى ما تعانيه المنطقة العربية من إشكاليات، فإن طبيعة هذه الإشكاليات تستدعي البحثَ عن حلول لدى المختصين، وهذه المبادرة خطوة في الاتجاه الصحيح لجمع نوابغ المختصين، ولتأسيس بيئة تساعد على تحقيق تقدم علمي يكون له انعكاس إيجابي على مختلف القطاعات، بالإضافة إلى أن ظاهرة هجرة العقول ستتوقف عندما يجد المبدعُ والموهوبُ الاهتمامَ الذي يستحقه.

ولم يكن مخطئاً مَن شبَّه هجرةَ العلماء والموهوبين العرب إلى خارج المنطقة العربية بنزيف الأدمغة، لأن هجرتَهم تحرم بلدانَهم من ثروة معرفية، ومن كفاءات لا تتشكل بسهولة، حيث يحتاج تأهيل عالم في كل مجال إلى أموال طائلة، وإلى سنوات وعقود من الدراسة والتأهيل. والبلدان التي تهاجر منها العقول والمواهب تعاني تراجعاً في كافة المجالات، لا سيما مجالات الابتكار، مما يؤثر على اقتصادها وتنميتها، ويتسبب في فقدان مواردها البشرية المؤهلة والمدربة، مما يؤثر على القدرة الفكرية والعلمية والابتكارية للبلدان المتضررة.

ومواجهة هذه المشكلة تتطلب تحسينَ البيئة العلمية والتكنولوجية والاقتصادية، وتوفيرَ فرص العمل والاستثمار في مجال الأبحاث والابتكار، وتطويرَ برامج التدريب والتعليم لتكوين الكفاءات والمواهب. وتأتي المبادرةُ الجديدةُ لتضع بداياتِ الحل أمام إشكالية نزف الأدمغة وهجرتها التي كان لها أثرٌ سلبي بارز على المنطقة العربية.

ومن مؤشرات النجاح المبكر لمبادرة «نوابغ العرب»، أنها تلقت آلاف الترشيحات من العلماء والباحثين العرب من كل بلدان العالَم. وهذا الإقبال على الترشح للجائزة يدل على أن العباقرة العرب في كل مكان، كانوا ينتظرون مثل هذه الفرصة ليعلنوا لمجتمعاتنا العربية أن تحديات المستقبل تزداد تعقيداً، وأن العلم والابتكار وحدهما يمثلان السلاح الفعال الذي يمكنه مواجهة التحديات. وبهذه المبادرة تقدِّم الإماراتُ رسالةً مباشرة مفادُها أن العباقرة والعلماء والموهوبين هم سلاح المستقبل في مواجهة التخلف والخرافة.

*كاتب إماراتي