لفهم لماذا ينبغي على التقدميين تحدّي جو بايدن في الانتخابات «الديمقراطية» المقبلة، تذكّر ما حدث خلال الانتخابات الأخيرة. 
فعندما أضفى بيرني ساندرز الإثارة والحماس على سباق 2020 الانتخابي – بعد أن فاز بأكثر من ألف مندوب – حوّل تلك الأصوات التي حصل عليها إلى قوة في السياسة العامة. إذ انضم أنصار ساندرز إلى حلفاء بايدن في مجموعات عمل صاغت أجندات مشتركة بخصوص الاقتصاد، والتعليم، والرعاية الصحية، والعدالة الجنائية، والهجرة، وتغير المناخ. ومن تلك اللجان انبثق ما وصفه باراك أوباما بأنه «أكثر برنامجٍ سياسي تقدمية لأي مرشح من أحد الحزبين الرئيسيين في التاريخ». تلك السياسات التقدمية استمرت في رئاسة بايدن. فبعد مئة يوم على توليه منصبه، خلصت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن بايدن «مال يساراً مع حزبه، وفي وقت مبكر من ولايته الرئاسية يقود حالياً أكبر توسيع للحكومة الأميركية منذ عقود». 
وعبر تحدِّيه من اليسار، لم يغيِّر ساندرز رئاسة بايدن فحسب، وإنما جعل منه أيضاً رئيساً أفضل. ولكن بخصوص السياسة الداخلية فقط. ذلك أنه لم تكن هناك أي مجموعات عمل مشتركة مخصصة للشؤون الخارجية – وهذا واضح. فباستثناء حالات قليلة، لم يتحدَّ بايدن الاعتقادَ «الصقوري» السائد في واشنطن، بل صار يجسِّده. وبشكل عام، تجاهل التقدميين، الذين تشير استطلاعات الرأي إلى أنهم يرغبون في مقاربة للعالم مختلفة اختلافاً جوهرياً عن المقاربة الحالية. والأرجح أنه سيواصل تجاهلهم إلى أن يحوِّل منافسٌ الاستياءَ التقدمي إلى أصوات. 
ولنأخذ الصين على سبيل المثال. فربما تحظى الحرب الباردة الجديدة لأميركا ضد بكين بالتأييد من كلا الحزبين في العاصمة واشنطن، ولكنها لا تحظى بالتأييد من كلا الحزبين في الولايات المتحدة. فوفقاً لاستطلاع للرأي أجراه «مركز بيو للأبحاث»، فإن 27 في المئة فقط من الديمقراطيين ينظرون إلى الصين كعدو – أي ما يعادل نصف العدد المسجل بين «الجمهوريين». وفي استطلاع للرأي لـ«مجلس شيكاغو» في ديسمبر 2021، وصف ثلثا «الجمهوريين» – ولكن أقل من 4 من أصل 10 ديمقراطيين – كبح نفوذ الصين العالمي على أنه هدف مهم جداً للسياسة الخارجية. 
والواقع أن الناخبين «الديمقراطيين» العاديين يكرهون الحكومة في بكين، ولكنهم يعارضون حرباً باردة جديدة لسببين رئيسيين. الأول هو أن أولوياتهم الأولى في السياسة الخارجية – وفقاً لاستطلاع للرأي أجرته «مورنينغ كونسالت» في شهر أبريل – هي مكافحة تغير المناخ وتجنب وباء آخر. والحال أن معاملة الصين على أنها عدو يقوِّض الاثنين. أما السبب الثاني، فهو أنهم يعارضون زيادة الإنفاق العسكري، التي تجعلها حربٌ باردة جديدة أمراً حتمياً لا مناص منه. 
ولكن إدارة بايدن لا تصغي إليهم. فعندما أوضح وزير الخارجية أنتوني بلينكن الخطوط العريضة للسياسة التي تتبعها الإدارة تجاه الصين في خطاب في مايو الماضي، تطلب الأمر 38 دقيقة قبل أن يشير إلى المناخ أو الصحة العامة. وكما بيّنت «مؤسسة بروكينغز» بتفصيل في نوفمبر الماضي، فإن التوتر المتزايد بين الولايات المتحدة والصين «يجعل حلولاً للتحديات العالمية مثل تغير المناخ والأزمات الوبائية والانتشار النووي بعيدة المنال». 
وبايدن لا يصغي إلى «الديمقراطيين» العاديين بخصوص الإنفاق العسكري أيضاً. ففي شهر مارس، اقترح أن ينفق على الدفاع أكثر مما فعلت الولايات لمتحدة في أوج الحرب الباردة الأخيرة. غير أن الصين ليست المكان الوحيد الذي تشبه فيه سياساتُ بايدن سياساتِ ترامب أكثر من شبهها بالسياسات التي ترغب فيها قاعدة الحزب. فعلى الرغم من استطلاعات الرأي التي أجريت مبكراً في رئاسة بايدن وأظهرت أن قرابة ثلاثة أرباع «الديمقراطيين» يرغبون في عودة بايدن إلى اتفاق إيران النووي الذي انسحب منه ترامب، إلا أن بايدن رفض توقيع أمر تنفيذي يحقق ذلك. 
نمطٌ مماثلٌ وسم سياسة بايدن تجاه كوبا. فعندما فتح الرئيسُ أوباما العلاقات مع الجزيرة، صفَّق لذلك «الديمقراطيون» العاديون. وبعد ذلك، أعاد ترامب فرض العقوبات، التي أبقى بايدن على الكثير منها. وبذلك، اختار بايدن، «إضفاء الشرعية على ما فعله ترامب عبر مواصلته»، كما قال بن رودز، نائب مستشار الأمن القومي السابق في إدارة أوباما. 
بايدن قلَّد الرئيس السابق بخصوص إسرائيل أيضاً. ذلك أن ترامب أغلق القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، التي كانت تخدم نصف سكان المدينة الفلسطينيين. وهي ما زالت مغلقة إلى اليوم. كما أغلق ترامب مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، الذي كان أقرب شيء كان لدى الفلسطينيين إلى سفارة. وهو ما زال مغلقاً إلى الآن. وعلى الرغم من استطلاعات الرأي التي تُظهر أن عدداً أكبر من «الديمقراطيين» باتوا يتعاطفون الآن مع الفلسطينيين أكثر ممن يتعاطفون مع إسرائيل، إلا أن إدارة بايدن امتنعت عن التحقيق في ما إن كان استخدام إسرائيل لأسلحة أميركية لإساءة معاملة حقوق الإنسان الفلسطينية يمثِّل انتهاكاً للقانون الأميركي. 
وبخصوص السياسة الداخلية، يُعد بايدن أكثر رئيس أميركي تقدمية منذ ليندون جونسون. ولكن في ما يتعلق بإسرائيل وكوبا وإيران، واصل بايدن بعضاً من أكثر سياسات ترامب قسوة. أما بخصوص الصين، فإنه يقود الولايات المتحدة حالياً إلى حرب باردة تعرِّض البقاء الإيكولوجي والسلام العالمي للخطر. والواقع أن انتخابات العام المقبل تتيح أفضل فرصة لدفعه لتغيير المسار، ولكن فقط إذا بادر أحد التقدميين بوضع السياسة الخارجية على الورقة الانتخابية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2023/05/08/opinion/joe-biden-primary-challenger-foreign-policy.html