يتنادى الخليجيون منذ أن أنشئ مجلس التعاون لدول الخليج العربية في ما بينهم لإقامة السوق الخليجية المشتركة، وقد تم التصديق على بدء تطبيق اتفاقيتها منذ عام 2007، لكن الأمور على أرض الواقع تسير ببطء شديد ولم تر هذه السوق المشتركة النور بعد بشكل كامل أو بالمستوى العملي الذي من المفروض أن تظهر به. وربما أن الظروف السياسية تفعل فعلها في هذا البطء من زاوية عقبات السيادة التي يتحتّم تجاوزها بأناة وروية.

وهنا فبالنسبة لمعظم الطرق الخليجية في التفكير من الخطأ الافتراض بأن التوقيع على الاتفاقية الأساسية يعني إقامة السوق المشتركة في غمضة عين، رغم أن المسألة تعني لدى جميع الخليجيين بأن السوق هي ضرورة نظرية وضرورة عملية.
ورغم تعقيدات السياسة الموجودة من الزاوية التي نشير إليها، إلا أنه في أوساط المواطنين العاديين أو بمن يسمون مجازاً «رجل الشارع» لا توجد أسباب منطقية مقنعة تجعل من المطلوب الفصل في مثل هذه الأمور بين الاقتصاد والسياسة، فالمهم لديهم هي النتائج التي تقرب بينهم.
قبل التسليم بفكرة السوق المشتركة والاقتناع بها كما هو مقتنع بها المواطن العادي علينا من الناحية الفكرية أن نطرح تساؤلات مفصلية ذات طابع تجربي Empirical.
فأولاً، ما هي النسبة المئوية التي ستشكلها السوق الخليجية المشتركة في الدخل الإجمالي المشترك للدول الأعضاء مجتمعين؟
وثانياً، كم عدد الوظائف الجديدة التي ستؤدي السوق الخليجية المشتركة إلى خلقها للمواطنين من الدول الست على مساحة الدول جميعها أي على مستوى مجلس التعاون الخليجي، وما هو نوع تلك الوظائف؟
وثالثاً، هل ستقوم الدول الأعضاء في المجلس جميعها دون استثناء بمعاملة جميع المواطنين الخليجيين من الدول الأعضاء الأخرى على أنهم سواسية ومتساوين مع مواطنيها؟ وهل سيتمكن المواطنون الخليجيون من العمل، حيث يشاؤون ويعاملون كمواطنين يحصلون على نفس الشروط والامتيازات ويتحملون كافة المسؤوليات والتبعات التي تنطبق على مواطني الدولة الأخرى الأصليين التي يعملون فيها؟.
رابعاً، إذا كانت جميع تلك الأمور ممكنة على المستوى التنظيري هل يمكن تطبيقها بسهولة في الواقع العملي؟
خامساً، هل يستطيع المواطن الخليجي أن يمتلك العقارات والأصول الاقتصادية واستخراج رخص الأعمال والإقامة الطويلة الأمد والزواج، حيث يشاء دونما قيود إضافية تفرض عليه في هذا البلد أو ذاك؟
إن التجارب التي مرت حتى الآن منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981، وباستثناء سياسة الأبواب المفتوحة والانفتاح على مواطني دول المجلس الأخرى التي تنتهجها دولة الإمارات العربية المتحدة تشير إلى غير ذلك.
إن التجربة يمكن أن تنجح إذا كانت السوق المشتركة المزمع تأسيسها ستصبح حرة من القيود الاقتصادية والتجارية والجمركية والضريبية والمالية والنقدية والاجتماعية.

وستتطلب التجربة من كافة دول المجلس أن تتبنى سياسات نمو اقتصادي وتجاري ومالي، وتنمية اجتماعية وبشرية أسرع من الموجود حالياً، وأن تقبل بالعديد من الإصلاحات في الاقتصاد الوطني وعلى القوانين المالية والإجراءات المعيقة لحركة التجارة الحرة وتنقل الأموال.
إن ذلك يجب أن يحدث في مقابل المزايا الاقتصادية والتجارية والمالية والنقدية التي سيتم الحصول عليها من وجود السوق الخليجية المشتركة.
وحقيقة أنه حيثما تتواجد شكوك حول إمكانية التنفيذ الفعلي لمتطلبات السوق الخليجية المشتركة في إحدى دول المجلس، فإن ذلك يعود إلى أن المشككين لديهم توقعات مستقبلية بأن السوق الخليجية المشتركة لن تكون مفصولة عن ما يحدث على الصعيد السياسي. 

* كاتب إماراتي