«أعز مكان في الدنى سرج سابح// وخير جليس في الزمان كتاب»، قالها الشاعر العربي الكبير المتنبي (919- 965)، ولعلها من آخر ما أنشده أبو الطيب، لأهمية الكتاب ومحتواه ودوره وتأثيره في الثقافة والوعي والفكر، وكونه وثيقة ثقافية ووعاء لحفظ المعلومة وتوثيقها. 
بعد تراجع الصحافة الورقية وانكفائها في المنطقة والعالم بشكل عام، بسبب الثورة التقنية الإعلامية الاتصالية الجديدة.. يثور السؤال: هل تنكمش وتتراجع معارضُ الكتب الدولية في المنطقة، حالها حال الصحافة الورقية أيضاً؟ 

ما تزال الكتب ومَعارضها مصدر إلهام للمثقف والمؤلف والموزع والقارئ والمتلقي، وموضع شغف بالنسبة للباحث عن المعلومة من مصدرها في بطون الكتب. ويعد معرض أبوظبي الدولي للكتاب، الذي افتتح أول دورة له في عام 1995، ثم انتقل من المجمع الثقافي في العاصمة أبوظبي إلى «مركز أبوظبي الوطني للمعارض» (أدنيك). وهو من أهم معارض الكتب الدولية بالمنطقة من حيث المساحة والتنوع وحجم المشاركة وعدد الزوار. وهو من المَعارض المفتوحة والأكثر رواجاً للكتب بأنواعها وأشكالها وتنوع مصادرها. وبفضل اهتمام حكومة أبوظبي بالكتاب والثقافة ودعمها الدائم والسخي لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب، فقد أصبح من المعارض المتميزة التي لها طابعها الخاص، إذ تشارك فيه حوالي 100 دولة ويتضمن أكثر من ألفَي فعالية.
وقد أصبح معرض أبوظبي الدولي للكتاب أشبه بمارثون ثقافي وكرنفال أدبي ينتظره جميع عشاق الأدب والثقافة ومحبي الكتاب، حيث تقوم حكومة أبوظبي بدعم المشاركين والعارضين والمنتجين والمؤلفين، سواء من خلال شراء الكتب أو تقديم الدعم اللوجستي، بغية إثراء الثقافة وتنوع مصادر الكتاب والحفاظ عليها واقتنائه. وقد استطاعت إدارة المعرض أن تحافظ على إقامته في توقيته السنوي بنجاح مبهر، رغم تراجع بعض معارض الكتب في المنطقة وتسجيلها انخفاضاً في المبيعات، لكن إدارة معرض أبوظبي الدولي للكتاب نجحت في أن تنوع مصادرَ المشاركات وتوسيع العارضين وتنويعهم وجذبهم وتشجيعهم، كما استطاعت تنويع الكتب والفعاليات الثقافية والفنية والأدبية والتراثية والفلكلورية بكل أنواعها ومجالاتها، وإقامة الندوات الفكرية والمحاضرات الثقافية وتوزيع الجوائز الأدبية والثقافية والفنية والتراثية وصنع عناصر تشويقية حديثة، فضلا عن استقطاب مشاركات من معارض فنية ودعوة رسامين وخطاطين عالميين وعرب وخليجيين، وعرض لوحات ومخطوطات وخرائط نادرة.. إلى جانب الأنشطة الطلابية التي تخص الأطفال وكتبهم وأدوات تعلمهم وتنمية مواهبهم ومهاراتهم.
وقد اشتمل معرض أبوظبي الدولي للكتاب على أنشطة متنوعة متعددة وجديدة شملت الكثير من الأدوات الفنية والقرطاس والمطابع العادية والدقيقة وثلاثية الأبعاد وتبعاتها من المهارات والاكتشافات الحديثة والدقيقة الملهمة، ليصبح معرض أبوظبي تظاهرة ثقافية أدبية تراثية فنية متنوعة في التميز والعطاء والإبداع، من كل الاختصاصات والأنشطة، وقد أحسن صنعاً منظمو المعرض بالاختيارات الموفقة، حيث أدخلوا عنصر التشويق والانبهار في تنوع العرض والاستعراض وجمع المواهب وتشجيعهم ودعمهم، لجذب الجمهور والعارضين والزوار، وإقامة صالونات أدبية ومعارض فنية وتشكيلية وتراثية فنية ملهمة، فضلا عن صناعة السينما والأفلام والتقنيات الفنية الحديثة في صناعة الكتاب وعشاقه ومحبيه، بالإضافة إلى إعطاء مساحات كبيرة للصالونات الأدبية والثقافية، لاستراحة وراحة المشاركين والعارضين والزوار.
وسوف يبقى الكتاب خير جليس في الزمان والمكان.. وأحد أزمنته وأمكنته الجميلة أبوظبي. 

*كاتب سعودي