من «فري تاون»، سيراليون – أرى أن أحد الانطباعات الخاطئة لدى الناس عن العالم أنه ذاهبٌ إلى الجحيم. ربما يعود ذلك إلى أن النصر العظيم الذي حققته البشرية على مدى نصف القرن الماضي – الانخفاض الهائل في معدلات الفقر والمرض والموت المبكر- لا يتم الاعتراف به عموماً. فأسوأ شيء يمكن أن يحدث لأي شخص هو فقدان طفل؛ وتاريخياً، كان نصف الأطفال تقريباً يموتون قبل أن يبلغوا سن الرشد. ولكننا نعيش الآن في عصر متحول بات فيه 96% من أطفال العالم يستطيعون العيش حتى سن الرشد. هذا القوس يمكن رؤيته بوضوح هنا في سيراليون، البلد الذي لا يزال فقيراً جداً، ومع ذلك فإن احتمال وفاة طفل فيه انخفض إلى أقل من النصف مقارنة مع ما كان عليه الحال قبل 20 عاماً مضت. 
وربما سبق لك أن سمعتَ بأن سيراليون هي «أخطر مكان في العالم للولادة». ولكن ذلك لم يعد صحيحاً: ذلك أن حالات الوفاة خلال فترة الحمل وأثناء الولادة انخفضت إلى 74% منذ عام 2000، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة. في مركز صحي ناءٍ، التقيتُ مع ييبو كارجبو، 19 عاماً، التي وضعت للتو مولوداً بمساعدة قابلة مدربة، وذلك بعد مجموعة كاملة من الزيارات قبل الولادة. ويذكر هنا أن الرعاية الطبية للنساء الحوامل والأطفال الرضع باتت مجانية في الغالب في سيراليون، شأنها شأن وسائل منع الحمل. 
والدة كارجبو، التي كانت تقدِّم نصائح حول كيفية رعاية الأطفال وتربيتهم تتظاهر كارجبو بعدم سماعها، أميةٌ ولديها ستة أطفال. أما كارجبو فمستواها التعليمي هو الصف السادس وتقول إنها تريد التوقف عند ثلاثة أطفال، ومع تحسن مستوى الرعاية الصحية والتعليم في البلاد، فإنها تملك خططاً كبيرة لطفلتها الجديدة. إذ تقول: «أريد أن تذهب هذه الطفلة إلى الجامعة». والواقع أن سيراليون ما زالت مكاناً خطراً للولادة حسب المعايير الدولية. لكنني أزور غرب أفريقيا منذ أن كنتُ طالب قانون في 1982، وأحد الأسباب التي تدفعني للكتابة عن الصحة الإنجابية هو أنني رأيتُ الكثير من النساء يمتن دون داعٍ أثناء الولادة في المنطقة. ولكن التحسن في الرفاهية يبعث على الذهول حقاً.
ذلك أن أكثر من 90% من النساء الحوامل في سيراليون يحصلن على رعاية ما قبل الولادة، والغالبية العظمى منهن يحصلن على المساعدة أثناء الولادة من قبل قابلة مدربة أو ممرضة أو طبيب. وبعد الولادة، تضع الممرضات الأطفال المواليد على أثداء أمهاتهم فوراً، ويقدّمن النصائح والمشورة للأمهات بشأن الرضاعة الطبيعية مما أدى إلى الحد من وفيات الرضع. 
وفي جناح الولادة الذي يعج بالحركة والأصوات في مدينة ماكيني، أخبرتني ممرضةٌ أن النساء اللاتي يأتيهن المخاض غالباً ما يصلن إلى المستشفى على متن دراجات نارية، وهو ما لا يبدو رائعاً، إلى أن أوضحت لي أنهن كن يُنقلن إلى المستشفى على متن عربات يد في السابق. 
وعلاوة على ذلك، بدأت المراكز الصحية في مواجهة سرطان عنق الرحم، يقتل عدداً أكبر من الأشخاص عبر العالم مقارنة بوفيات الأمهات ولكنه يحظى بقدر أقل من الاهتمام. وباتت بعض الفتيات في سيراليون يحصلن على تلقيح ضد فيروس الورم الحليمي البشري، كما تقدّم بعض العيادات فحوصات منخفضة الكلفة تغسل عنق الرحم بالخل وتبحث عن الآفات المحتملة في الأنسجة. 
وما زالت هناك تحديات هائلة، مثل الاضطرابات إلى الشمال في مالي وبوركينا فاسو التي يمكن أن تزعزع استقرار المنطقة برمتها. لكن أحد أسباب عدم بذل العالم لمزيد من الجهود لمساعدة البلدان الفقيرة هو الإرهاق، وهو الشعور بأن لا شيء ينجح. وأخشى أن يكون سببُ هذا الاستنتاج الخاطئ جزئياً هو صحافيون على شاكلتي، وعمال إغاثة ونشطاء وقلوب أخرى تعتصر حزناً، ذلك أننا نقفز على الأزمات؛ ونتيجة لذلك، فإن ما يسمعه الجمهور عن أفريقيا هو الحرب في السودان والجوع في الصومال والاضطراب في إثيوبيا. وهذه مشاكل حقيقية تستحق قدراً أكبر من الاهتمام، وليس أقل؛ ولكننا لا نفعل ما يكفي لإلقاء الضوء على خلفية المكاسب التي تتحقق في الصحة والتعليم والرفاهية. 
والواقع أن الكثير من الناس يعتقدون أن الفقر العالمي ميؤوسٌ منه – إذ قال 87% في استطلاع في 2016 إن الفقر ظل على حاله أو ازداد سوءاً خلال العقدين السابقين. والحال أن نسبة سكان العالم الذين يعيشون في فقر مدقع انخفضت من 38% في عام 1990 إلى حوالي 8% اليوم. بل إن المؤرخين قد ينظرون إلى هذه اللحظة لاحقاً ويخلصون إلى أن القفزات التي تحققت بخصوص رفاهية الإنسان والصحة وبقاء الأطفال هي أهم الأشياء التي حدثت في العالم خلال أوائل القرن الحادي والعشرين. 
أختتمُ رحلتي السنوية «الفوز برحلة»، التي أصطحبُ فيها طالباً أو طالبة في رحلة صحفية. ومادي باندر هي الفائزة هذا العام. التقينا برئيس سيراليون يوليوس مادا بيو، فسألتُه عما إذا كان يعتقد أن الهوس الصحفي بالأزمات مضر.
فكان جوابه: «بالتأكيد، إننا نلومكم». والواقع أننا محظوظون كوننا نعيش في عصر معجزات. ذلك أن الكفيف صار يبصر (جراحة المياه البيضاء)، والأعرج يمشي (تصحيح وعلاج «حنف القدم»). والأمراض القديمة مثل الجذام وشلل الأطفال والناسور وداء التنينات والعمى النهري، آخذة في التراجع والانحسار؛ وهذا التقدم حقيقي شأنه شأن كل الأخطار التي تتصدر عناوين الأخبار. 
صحيح أن هناك العديد من الأسباب للشعور بالقلق، ولكن دعونا نتوقف لحظة للاعتراف بالعدد المتزايد من الأطفال الذين لا يشعرون بالجوع، والنسبة المتزايدة من الأمهات اللاتي لا يمتن أثناء الولادة، والطرق المؤكدة التي بتنا نمتلكها لجعل العالم أفضل. هذه هي الطريقة التي أستطيعُ أن أختتم بها زيارة إلى واحد من أفقر بلدان العالم وأخرج منها مفعماً بالأمل. 


ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»