مرة أخرى تعبر مجموعة «أوبك+» عن تماسكها وقوة مواقفها، رغم بث الشكوك حول ذلك قبل الاجتماعات الدورية للمنظمة، فتارة، هناك خلافات بين الدول الكبيرة المنتجة للنفط، وتارة أخرى هناك خروقات لالتزامات التخفيض، ليأتي الرد قوياً ومعبراً بعد اجتماع «أوبك+»، مثلما حدث الأسبوع الماضي عندما جددت كافة دول المجموعة دون استثناء تمسكها بالتخفيضات الطوعية وتمديدها حتى نهاية عام 2024 بدلاً من نهاية عام 2023 مع تخفيض سعودي طوعي بحجم مليون برميل يومياً لمدة شهر بيوليو القادم، قابلة للتجديد.

وبما أن الأمر يخص 23 دولة يشكلون أعضاء مجموعة «أوبك+»، فمن الطبيعي أن تكون هناك بعض التقييمات المختلفة، إلا أنه يتم في نهاية المطاف الاتفاق على صيغة تناسب الجميع لأسباب سنأتي على ذكرها، كما أن هناك تفاوتاً طبيعياً بين دول المجموعة حول ملفات سياسية وإقليمية ودولية، إلا أنه يتم استبعادها عن السياسات النفطية لنفس الأسباب التي سنتناولها. ويعبر هذا التماسك عن نضج تتحلى به الدول المنضوية في هذا التحالف، والتي تمنح الأولوية لمصالحها الوطنية، متعالية على التفاوت في بقية الملفات، ولنأخذ على سبيل المثال المعادلتين التاليتين: الأولى تفترض إنتاجاً كبيراً يؤدي إلى استنفاد سريع للثروة النفطية، وإلى عائدات أقل بسبب انهيار الأسعار، النتيجة سلبية للغاية.

أما المعادلة الثانية فتشير إلى إنتاج أقل يؤدي إلى المحافظة على الثروة النفطية ويحقق أسعاراً أعلى وعائدات أكبر والنتيجة إيجابية للغاية. هذه هي الحقيقة الواضحة التي تدفع باتجاه تنحية كافة التفاوتات في المواقف بين دول المجموعة، وتضع على رأس الأولويات مصالح هذه الدول ومتطلباتها التنموية، وتفادي انهيار الأسعار وتعريض اقتصاداتها لأزمات، هي في غنى عنها، وهو ما يتوقع استمراره والالتزام به حفاظاً على مصالح هذه الدول.

الغريب أن قرار الاجتماع الأخير للمنظمة لم يشهد انتقادات من قبل الدول المستهلكة أو أجهزتها الإعلامية، وهو ما يؤكد صحة السياسات النفطية لـ«أوبك+»، والسبب أن قرارات الاجتماعات الأخيرة، بما فيها اجتماع الأسبوع الماضي، لم تود إلى ارتفاع أسعار النفط، وإنما حافظت على سعر أدنى من 80 دولاراً للبرميل، وهي مناسبة لأوضاع الاقتصاد العالمي ولا تؤثر على الدول المستهلكة، في الوقت الذي تضمن حداً أدنى من الأسعار العادلة للدول المنتجة. وعلى افتراض أن دول «أوبك+» لم تقم بأية تخفيضات في الإنتاج، فإن أسعار النفط ستصل إلى مستويات متدنية جداً تقل عن 30 دولاراً للبرميل، وهو ما سيفقد اقتصاديات الدول المنتجة، بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي زخم النمو الذي تتمتع به حالياً، مع ما يمثله ذلك من تحديات اقتصادية واجتماعية لا يمكن تجاوزها بسهولة، خصوصاً وأن أسعار كافة المنتجات، بما فيها الغذائية ترتفع بصورة مطردة وتؤدي إلى ارتفاع تكاليف استيرادها في البلدان المنتجة للنفط، والتي لا بد وأن تحصل على أسعار أعلى لصادراتها النفطية لتسديد قيمة هذه الواردات ولتجنيب موازينها التجارية أية عجوزات.

وبما أن أوضاع الاقتصاد العالمي تشوبها الضبابية وعدم اليقين، حيث خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي من 3.4% في عام 2022 إلى 2.8% في العام الحالي، ليشمل هذا التباطؤ الاقتصادات المتقدمة بشكل أساسي، والتي سيتراجع فيها النمو من 2.7% إلى 1.3% في حين سيعاني بعضها من ركود ومعدلات نمو سالبة، ستكتسب الاجتماعات القادمة للمجموعة المزيد من الأهمية، فالتحديات خطيرة ومحاولات تفكيك تضامن دول المنظمة بهدف خفض الأسعار وانهيارها ستستمر، فالمنافسة تدور حول المصالح بين الدول المنتجة والمستهلكة، تلك المصالح التي تكتسب أهمية استثنائية في ظل الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية، مما يتطلب من الدول الأعضاء في «أوبك+» التمسك بتضامنها، باعتباره الضامن الوحيد للمحافظة على مكاسبها، مع مراقبة تطورات الأسواق بدقة للمحافظة على توازن مستويات العرض والطلب، وبالتالي المحافظة على الأسعار الحالية، سواء بتخفيض الإنتاج مرة أخرى أو رفعه في حالة تنامي الطلب وفق المعادلتين التي أشرنا إليهما آنفاً.

*خبير ومستشار اقتصادي