عندما كان سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، يمضي إلى أقاصي العالم في جولات من أجل التضامن والتعاون والسلام والاتفاقيات الاستراتيجية، كانت مندوبة دولة الإمارات بالأُمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن لهذا الشهر، تعلن عن ضرورات العمل من أجل السلام من خلال الحوار والتعاون ومقاربة القيم الأخلاقية.
ولنفس المقصد، جمع المغرب برلمانيين دوليين في مراكش للحوار الديني والاستراتيجي، ونصرة السلام والعدالة. أما الأمين العام للأُمم المتحدة غوتيريش، فقد دعا لجلسةٍ خاصةٍ بالأمم المتحدة لهذا الغرض، استمع خلالها الحاضرون لخطابٍ من الأمين العام عن هذه القيم في مواجهة الأزمات والحروب، وقدّم قادةٌ دينيون وسياسيون بينهم شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب شهادةً في نفس المنحى، ودعوة حارة لسلام العالم وأخوَّة بني الإنسان.
يحفل العالَم بالأزمات والتوترات والحروب. وتنال تلك الأزمات من العلاقات بين الدول وبين الأديان، وتُضعف قدرةَ منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الدولية والإنسانية على التدخل بالقرارات وبالوساطة من أجل وقف النار، ونشر ألوية السلم، والتضامن مع ضحايا الحروب، ومع ملايين المهجَّرين بسببها.
كان المفكر الكاثوليكي هانس كينغ في أُطروحته «من أجل أخلاقٍ عالميةٍ»، قد قال: لا سلام في العالم إلاّ بالسلام بين الأديان، ولا سلام بين الأديان إلاّ بالاتفاق على أخلاقٍ عالمية. وفي السنوات الأخيرة أصدر فيلسوفُ الدين الكبير تشارلز تايلور كتابَه «أخلاق الأصالة»، وهو يعود إلى جذور الأزمة ذاكراً الفردانية المتعملقة، ومقولة نزع سحر العالم، وتجاوز الأديان وقيمها. وهذا كله فيه إحساسٌ عميقٌ بالخطر الداهم الذي يتهدد البشرية، ويستنهض عزائم «أولي البقية» كما يسميهم العلاّمة الشيخ عبدالله بن بيه في ميثاق حلف الفضول الجديد (2019)، مستنداً إلى تعبيرٍ قرآني، يعطي هذه النخبة المؤمنة والواعية، مسؤوليات كبرى في مجال الدعوة إلى الإصلاح والسلم والتضامن في وجه تيارات الهدم وراديكاليات تدمير المجتمعات والدول.
في كلام الأمين العام للأُمم المتحدة، وصفٌ مؤثرٌ للاضطراب العالمي، وحديثٌ عن أسبابه، وتشهيرٌ بالعجز عن معالجته، ودعوة للقادة السياسيين والدينيين إلى النهوض بأعباء استعادة السلام، واستعادة الرشد أو «عقل العالم»، ولا أحد أعرف من الأمين العام بالمشكلات المتفاقمة، والتي يتعذر حلُّها من دون اجتماع القادة السياسيين والدينيين على إرادة ذلك. فصراع الدول الكبرى في مجلس الأمن يجعل من المتعذر اتخاذ قرار. وحتى إن حصل القرار، فإنّ التنفيذ ليس سهلاً أو متاحاً، لأنّ القيادات العالمية غير متفقةٍ على ذلك، وبذا تبقى قرارات مجلس الأمن من دون إنفاذ، فتستمر الصراعات، ومعها أحداثُ القتل والتهجير.
ولدينا نحن، عرباً ومسلمين، مصلحةٌ كبرى في إحقاق السلم بشتى السُبُل. ففي عددٍ من بلداننا اضطراباتٌ مشهودةٌ منذ سنواتٍ وسنوات، وقد صدرت في شأنها جميعاً قراراتٌ دوليةٌ لا تتجه نحو الفعالية والإنفاذ. وفي مجال الحوار الديني نحن معنيون أيضاً، فقد انطلقت من دولة الإمارات أهمُّ الإعلانات في ذلك مثل وثيقة الأخوة الإنسانية، وحلف الفضول الجديد. ولذلك كلّه، فنحن معنيون بالحوار الديني، والحوار السياسي السلمي.
أنصار الحياة الكريمة والسلام المستدام، لا ييأسون. ولذا تستمر المساعي وتنفتح لها الآفاق، وستكون لذلك نتائج وتأثيرات.
 
* أستاذ الدراسات الإسلامية -جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية