منذ سنوات بعيدة تُستهلَك البيئة بصورة متصاعدة، حتى بلغت ذروة استهلاكها مع انطلاق الثورات الصناعية، والتطور التكنولوجي التصاعدي للحضارة البشرية في السنوات الأخيرة، الذي معه زاد احتياج الإنسان إلى استهلاك الطاقة.

والاستهلاك البيئي استخدام الموارد الطبيعية والبيئية بشكل يتجاوز قدرتها على التجدد، ما يؤدي إلى نفادها وتدمير البيئة وتغير المناخ. والقضية لا تتوقف على الاستهلاك بالاستخدام، فهناك استهلاك بالتأثير المباشر عن طريق تعريض البيئة للملوثات الناتجة من النفايات بمختلف أنواعها، سواء نووية أو كيماوية، ما يؤثر في طبيعة البيئة وتوازنها، ويؤدي إلى تغيُّر المناخ، وكل هذا يؤثر في فرص الحياة الصحية والبقاء، سواء للإنسان أو الكائنات الحية الأخرى.

إن زيادة الانبعاثات الغازية تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض، وهو ما حذر منه علماء البيئة مراراً وتكراراً، ففي عام 2022 حذرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية من تزايد احتمالات ارتفاع حرارة كوكب الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2026، وأكدت أنه بالوصول إلى هذه الحرارة ستصبح تأثيرات المناخ ضارة بشكل متزايد بالنسبة إلى جميع الكائنات، إضافة إلى خطورة الاستنزاف الجائر للموارد البيئية.

والمتهم الأول في هذا الاستنزاف هو غياب الوعي البيئي الكافي لإدراك المجتمعات أهمية الاستخدام المنظم والعقلاني للموارد الطبيعية، أضف إلى ذلك الزيادة السكانية المطردة والمتنامية بصورة غير متسقة مع حجم الموارد الطبيعية، وحين يجتمع السببان معاً فسنرى حتماً نماذج سلبية من استنزاف الموارد الطبيعية، بل تدميرها بصورة تنعكس سلباً على التوازن البيئي والمناخي، وهذا التأثير لا يقف بمعزل عنه أي مكان حول العالم.

إن الإشكالية الكبرى من وجهة نظري هي أن قضية التغير المناخي والبيئي يغيب عنها شعور الفرد بمدى تأثره بها، ذلك أن التغييرات التي تنجم عنها بطيئة وتراكمية، فشعور الفرد بها طفيف تقريباً، وقد يكون غير مباشر؛ نظراً إلى أن حركة التغيير البيئي والمناخي تراكمية وبطيئة، وقد تحتاج إلى سنوات لتكون ملموسة عند الفرد غير المتخصص، الذي لا يتعامل مع الأزمة بفاعليَّة، وهذه أزمة كبيرة في الوعي الفردي، كما أن هناك إشكالية أخرى تتمثل في التكلفة العالية لعمليات التصنيع المحافِظ على البيئة، وهذه التكلفة تثقل كاهل الدول الفقيرة وذات الاقتصاد الممتلئ بالأزمات، فيصعب تبنيها سياسات تصنيع تعتمد على البروتوكولات العلمية الصحيحة المحافِظة على البيئة، وهذا يضعنا أمام معضلتين أساسيتين إحداهما معرفية، والأخرى اقتصادية.

ويمثل مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28) لعام 2023، الذي تستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر من العام الجاري، أهمية كبيرة، لكون الإمارات من الدول القليلة التي اعتمدت استراتيجية وطنية للطاقة والمناخ، وتتقدم خطوات واسعة في هذا المجال، ويهتم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بالقضايا البيئية والمناخية، وقد تجلَّى ذلك في إعلانه عام 2023 عاماً للاستدامة، ودعم سموه الكامل لمؤتمر (COP28) من أجل تحقيق خطوات إيجابية، والخروج من معضلة القلق على مستقبل الأجيال المقبلة.

وبوجه عام تتطلَّب حماية البيئة والمناخ من آثار الاستهلاك البيئي التعاون والتضامن بين الحكومات والمجتمعات والشركات والأفراد، ويمثل مؤتمر (COP28) فرصة لتحقيق التعاون اللازم لإنجاز هذا الهدف، والحفاظ على كوكبنا ومستقبل البشرية.

*رئيسة مجلس إدارة مؤسسات الشيخ محمد بن خالد آل نهيان الثقافية والتعليمية