النقطة الحاسمة هي أننا بتغيير أنفسنا نغير العالم، فكلما أصبحنا محبين من الداخل، يحدث الشفاء في الخارج. فكما البحر حينما يرتفع ترتفع معه السفن، كذلك الحب اللامشروط حين يشع داخل قلب الإنسان تشع معه كل الحياة. يقول الدلاي لاما: «يمكن لكل إنسان أن يجد السياق الذي يصنع فيه فرقاً.

والجماعة البشرية ليست سوى أفراد يتجمعون.»، وهذا الوضع لن يتحقق على أرض الواقع، إلا على شرط، موسى بن علي بن موسى الذي قال أبياتاً من الشعر يرتقي بالإنسان إذا: تواضعْ تكنْ كالنَّجمِ لاح لناظرٍ ‏على صفحاتِ الماءِ وهو رفيعُ ‏ولا تكُ كالدُّخانِ يعلو بنفسِه ‏إلى طبقاتِ الجوِّ وهو وضيعُ فالعابرون في حياتنا كثيرون، ولكن أصحاب بصمات الحب والاحترام والإنسانية والإحسان عملة نادرة.

تمعن في مقولة «ألبرت أنيشتاين» بأن: «العالم مكان خطير لأن تعيش فيه، ليس بسبب الأشرار فيه، بل بسبب الناس الذين لا يعملون أي شيء فيه».

في هذا العالم، فإن الذي يقوم بفعل شيء، يساهم في تقليل نسبة الشر، ويرفع من درجة الخير العميم ويوسع دائرته ليظلل الجميع به. ومن ملامح هذا الحب، أنه عطاء بلا أخذ، وهو عكس قاعدة المصالح المتبادلة في السياسة والاقتصاد.

انظر إلى هذا الذي ليس في جيبه شيء، مما يروى أن بغدادياً كان جالساً في المقهى، فورد عليه ضيوفاً من أصدقائه، ولم يكن في جيبه ما يفي بأجر ما شربوا في المقهى، ولكنه التزاماً منه بالأصول، صاح (وير) - يعني الحساب عليه، ودعاهم لتناول طعام العشاء في منزله، ولما نهضوا لمبارحة المقهى، دعا القهوجي ودس خاتمه في يده، يوهم الحاضرين أنه دفع ثمن شرابهم، وأحس صاحب المقهى بأن الرجل لا مال لديه، ففتح كيسه وأسقط فيه الخاتم وخلطه بالنقود ثم أعاده إليه ومعه مبلغ من المال، يوهم الآخرين بأن الرجل أعطاه ديناراً من الذهب وأنه اقتطع منه ثمن الشراب وأعاد إليه الباقي، وقام الرجل بعشاء ضيوفه وأكرمهم على الوجه الأكمل. فاللطف في العطاء يمنحك عند الآخرين محبة لا تقدر بثمن ما قدمت.

الغضب المستمر واللوم الدائم يقتل لذة كل شيء جميل، فإبراز الحُسن والتغاضي عن الأخطاء والحديث الأنيق مثل المفاتيح لمغاليق القلوب من حولك. من هذا المنطلق نقول، كن صادقاً مع الناس تكسب «ودهم»، وكن صادقاً مع نفسك تكسب «راحتك».

وكن صادقاً مع الله تكسب «رضاه»، لذا من المستحسن والمستحب كذلك ألا تزعج نفسك بالتدقيق في كل شيء ربما تفهم خطأ وتخسر الكثير من حولك بسبب تفكيرك، فقط أحسن الظن بهم. وتعلمّ كيف تجبر الخواطر، فإذا لم تعرف الطريق للوصول إليه، فلا تكسرها على أقل تقدير. إن سكينة الروح هي أن تحب الجميع ولا تحمل كرهاً لأحد، لذلك أمامك ثلاث تاءات اعتن بهنّ: تغافل، تسامح وتفاءل، فهن شريان محبتك ومركزها العصبي. قال أحد الحكماء: إن لم تستطع كسب ود عدوك، قاومه بالإحسان إليه، بذلك يمكن أن تفقع مرارته، ولا تحتاج أن تفقأ عينه.

*كاتب إماراتي