كانت الأعياد رغداً على الرغم من المصاعب التي اعتاد الناس عليها، وكانت روح الشعائر المقدسة تضفي على المشاعر بهجةً وألقاً في اجتماع الأسر وتمتين الروابط بينها، وكان من سمات العيد فيض التسامح الذي يطوف في القلوب، فتسمو النفوس عن الضغائن فيصير العيد موسم الصلح بين المتخاصمين، وتسود الألفة والمحبة وتنتهي المنازعات بقول يردده الجميع: «انسوا خلافاتكم فاليوم عيد».

والعيد ما يعتاده الناسُ من تسامح وصفاء، وقد صار حلماً لدى السوريين أن يعود التسامح والصفاء بعد سنوات من الفواجع والمآسي والقطيعة التي يعانيها الجميع، وقد شملت بلاد الشام، وبخاصة لبنان حيث يضيق بعض اللبنانيين بوجود نازحين ولاجئين سوريين، وأغلب هؤلاء هم من سكان مناطق القصير وأرياف حمص الذين اضطروا للهجرة منذ أن دخلت ميليشيا مسلحة قادمة من لبنان.

وفي تركيا يضيق بعض الأتراك بوجود اللاجئين السوريين إلى حد أن الدعوة إلى ترحيلهم الفوري كانت شعاراً انتخابياً جعل السوريين هناك يعيشون حالة من الأسى والخوف والشعور بالمهانة.

وربما كان أفضل اللاجئين السوريين حظاً من اتجهوا إلى الأردن، وأغلبهم من أهل حوران حيث النسيج الاجتماعي الواحد المتين، وكذلك كان حال من لجؤوا إلى مصر التي استقبلت أفواجَ السوريين بالتعاطف والترحيب، حيث يظل في ذاكرة الشعبين أنهم بنية واحدة عبر التاريخ، ودولة متحدة في عهود الفاطميين وصلاح الدين والظاهر بيبرس، وأخيراً في عهد جمال عبد الناصر. وقد أتاحت الحكومة المصرية للسوريين فرص العمل والنشاط الاقتصادي الذي برعوا فيه.

والأمر ذاته في المملكة العربية السعودية وعدد من دول الخليج العربي، فالسوريون الذين اتجهوا للعيش في دولة الإمارات (وأنا منهم) لا يسمون لاجئين بل مقيمون، ولهم خصوصية تكريم في المعاملة لاسيما في ميادين تعليم أبنائهم وفي الرعاية العامة. وحضور السوريين في الإمارات قديم وعريق إذ يعود إلى ستينيات القرن الماضي، إذ عاصروا نهوض الدولة حتى بلغت هذا الشأو المجيد الذي يفخر ويعتز به العربُ جميعاً.

وقد ساهمت الإمارات ودول الخليج العربي في تقديم الإغاثة والمساعدات للاجئين والنازحين السوريين، داخل سوريا وخارجها. لكن تَسارع الفواجع يجعل الخرقَ متسعاً على الراقع، ولابد من الوصول إلى حل سياسي ينهي هذه المأساة. فمن يقيمون في الغرب غير مطمئنين إلى مستقبل أبنائهم، إذ إن قوى اليمين المتطرف الصاعدة في أوروبا تضيق بالمهاجرين عامة، وأوضاع السوريين في دول اللجوء القريبة لا توفر لهم استقراراً، فهم يعيشون حالة مؤقتة مهما طالت.

أما السوريون في الداخل، فأغلبهم يعانون نتائج الانهيار المريع لسعر العملة السورية، ولنتائج العقوبات الاقتصادية، كما أن نزوح 14 مليون من القوى العاملة وغياب الطبقة الوسطى والتكنوقراط، وتعثر النشاط الاقتصادي المحلي.. كل ذلك يفاقم المأساة، وهذا ما يملأ نفوسنا حزناً وألماً لما آل إليه الحال بعد أن كانت سوريا تعيش حالة نمو اجتماعي وصناعي وزراعي وتعليمي نشط وقابل للازدهار.

ولست في معرض الحديث عن أسباب الانهيار، إذ المهم الآن أن نتدارك مع أشقائنا العرب آليات إيقافه، واستعادة الحياة الكريمة لسوريا. وما يدفعني لهذا الحديث الحزين شعور عميقٌ بالفاجعة التي يعانيها السوريون اللاجئون في دول الاغتراب واللجوء والشتات، آملين أن يكون العيد القادم، إن شاء الله تعالى، عيد الوئام ولم الشمل والسلام.

*وزير الثقافة السوري السابق