العالم الغربي المتقدم كان قد روّج لفترة طويلة من الزمن لحرية التعبير، حتى تطرف البعض في التعبير عن حريته، بالتعدي على المقدسات لدى جميع الأديان. هذا البعض بدل الحوار والنقاش، ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، فقد قام بإحراق أقدس كتاب على وجه الأرض وهو القرآن الكريم.

لقد بادرت بريطانيا بمنع السياسي الدنماركي اليميني المتشدد «راسموس بالودان» من دخول أراضيها عندما خطط لحرق المصحف في 20 مارس 2023. توم توجندات، وزير الدولة لشؤون الأمن بوزارة الداخلية البريطانية، يرى أن «راسموس»، مؤسس حزب «سترام كورس» المناهض للإسلام، تمت إضافته إلى قائمة مراقبة الهجرة في المملكة المتحدة. وكان «بالودان» قد قال إنه يعتزم حرق المصحف في ميدان عام بمدينة «ويست يوركشير»، يأتي ذلك بعد أن تم إيقاف أربعة تلاميذ في مدرسة «ويكفيلد» بسبب إتلاف نسخة من المصحف.

هذا وقد سارعت وزارة الخارجية بإصدار بيان قالت فيه: دولة الإمارات تدين بشدة حرق نسخة من القرآن الكريم في الدنمارك. وأكدت الوزارة في بيان، رفض دولة الإمارات الدائم لجميع الممارسات التي تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار وتتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية (26/3/2023).

ولم تتحول تلك النار إلى رماد بعد، حتى دخلت السويد على ذات الخط الأحمر، لكي يأتي لاجئ من العراق ليزيد النار حطباً بذات الفعل المنكر من العالم أجمع، أولها من الحكومة السويدية التي أدانت إحراق المصحف واعتبرته عملاً «معادياً للإسلام»، وقد أعلن الاتحاد الأوروبي انضمامه إلى الخارجية السويدية في رفضها الشديد لحرق المصحف، وشدد على أن حرق المصحف أو غيره من الكتب المقدسة مهين وعمل استفزازي. أما «منظمة التعاون الإسلامي»، فقد دعت لاتخاذ تدابير جماعية ضد تكرار تدنيس المصحف والإساءة للنبي، وتشدد على ضرورة تطبيق القانون الدولي لحظر الكراهية الدينية.

ونظراً لأن الفاعل عراقي، فإن وزير الخارجية العراقي تلقى اتصالاً هاتفيّاً من نظيره السويدي لمناقشة تداعيات حرق القرآن الكريم في ستوكهولم، حيث أشار إلى أن حرق نسخة من المصحف الشريف لا يأتي ضمن سياق حرية التعبير، وإنما للتحريض على العنف وزرع الكراهية ودعم ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، ودعا الحكومة السويدية إلى تسليم حارق المصحف للحكومة العراقية، من أجل محاكمته وفق القانون العراقي. واتخذت الإمارات خطوة متقدمة دبلوماسياً، حيث استدعت سفيرة مملكة السويد لدى الدولة للاحتجاج على سماح الحكومة لمتطرفين في العاصمة ستوكهولم إحراق نسخة من القرآن الكريم، مشددةً على أهمية مراقبة خطاب الكراهية والعنصرية، التي تؤثر سلباً على تحقيق السلام والأمن، كما عبرت الوزارة عن رفض دولة الإمارات استخدام حرية التعبير كمسوغ لمثل هذه الأفعال.

ومن جانبه أضاف معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، في تغريده له على «تويتر»: «إن الاعتداء السافر والمتكرر على عقيدتنا الإسلامية بحجة حرية الرأي يكرّس الكراهية والتناحر، فالمساس بالمقدسات يعمق المواجهة القيمية والأيديولوجية».. «العالم الغربي عليه إدراك أن منظومته القيمية وتبريره لها لا يمكن فرضه على العالم ولا بديل عن المعالجة الجماعية للتطرف بعيداً عن المزايدات». هذا التصرف المنحرف عن الفكر الحضاري جناية تحت ستار حرية التعبير، حرية تُستخدم في غير مكانها ولا زمانها، فالإسلام لم ير هذا الفعل إلا عند المغول.

وعندما استدعى خليفة المسلمين في زمن الإمام أبي حامد الغزالي لحضور مشهد حرق كتب المخالفين فكرياً، أشار عليه ألا يفعل ذلك، بل تولى هو بتكليف منه حملة حرق الأفكار في تلك المؤلفات وليس حرق الكتب. هذه إحدى ثمرات حضارة الإسلام عندما كان يقع الاختلاف في الأفكار، فالكتب كلها «مقدسة»، فكيف الوضع مع القرآن الذي لا يدانيه كتاب؟

*كاتب إماراتي