أصبح لدينا أخيراً عقار معدل لمعالجة مرض الزهايمر. وبحلول نهاية هذا العام، من المحتمل أن يصبح لدينا آخر في متناول أيدينا. وهذه العقاقير قد تبطئ قليلاً من مسيرة المرض التي لا هوادة فيها، لكن هناك حاجة واضحة لعلاج المرضى في وقت مبكر وإيجاد عقاقير أخرى لها تأثير أقوى. فما الوقت المبكر المعقول؟ وما العقاقير الأخرى؟ يقدم بحث جديد حول دراسة استمرت عقوداً بعضَ الأفكار المهمة حول كلا السؤالين. فعقار ليكيمبي لشركة إيساي وبايحن، والعقار الآخر من شركة إيلي ليلي يسمى دونانيماب، كلاهما يقلص مستويات لويحات الأميلويد التي لطالما اعتبرت السمةَ المميزة للمرض الذي يسلب العقل. وتشير البيانات حتى الآن إلى أن هذه العقاقير قد تقلص التدهور في الأشخاص المصابين بدرجة طفيفة من المرض بنحو 30 بالمئة. ولتخطي هذه النسبة، يحتاج المجال إلى ضخ مزيد من الطاقة لتحديد واختبار الأسباب الفاعلة الأقل وضوحاً والتي تساهم في المرض قبل عقود من ظهور الأعراض.
ويرى كينان ووكر، عالم الأعصاب في المعهد الوطني للشيخوخة، والمؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة، أن «عقاقير التخلص من الأميلويد تجدي نفعاً فيما يبدو، وهذا رائع. إنها تبطئ المرضَ، لكنها لا توقفه. وسنحتاج إلى استهداف مسارات أخرى لتحقيق نتائج أفضل». وحتى الآن، انصب كثير من التركيز في تطوير العقاقير، بخلاف الأميلويد، على اللاعب الواضح الآخر في مرض الزهايمر، وهو بروتين تاو الذي يصاحب الأميلويد في أدمغة الأشخاص المصابين بالمرض. وكان استهداف الأميلويد والتاو منطقياً. فعلى كل حال، فإنها تظهر في فحوصات الدماغ المتخصصة، ويتزايد ظهورها في اختبارات الدم، وهي أدوات التشخيص التي غيرت طريقةَ اختبار عقاقير الزهايمر.
لكن جحافل العقاقير التي تستهدف الأميلويد التي ظهرت قبل ليكيمبي ودونانيماب أوضحت أن اللويحات ليست الضالع الوحيد، ولا حتى الضالع الرئيسي، في المرض. وتساهم عمليات أخرى بلا شك في فقدان الذاكرة وتدهور الوظائف العامة للأشخاص المصابين بالمرض، وهي عمليات محتملة تَحدث قبل ظهور الأميلويد أو تاو في فحص الدماغ. والآن، نظراً لأن التكنولوجيا تجعل من السهل استبعاد هؤلاء اللاعبين، يتعين على العلماء تكثيف البحث عن طرق بديلة أو حتى تكميلية لتشخيص وعلاج مرض الزهايمر حتى قبل ذلك. وتوفر الدراسةُ الجديدة بعضَ الأدلة الجيدة حول اللاعبين الآخرين المشاركين في المراحل الأولى من المرض. ووجد الفريق مجموعة من البروتينات التي تبدو مضطربة في منتصف العمر لدى الأشخاص الذين يصابون بمرض الزهايمر بعد 15 أو حتى 25 عاماً.
ولم يكن كثير من هذه البروتينات متورطاً بشكل مباشر مع الأميلويد والتاو، لكن بدلا من ذلك شارك في عمليات المناعة، والتواصل بين الخلايا العصبية، وتنظيم البروتين. وتمكَّن فريقُ المعهد الوطني للشيخوخة من العثور على هذه العلامة المحتملة للمخاطر المبكرة من خلال الاستفادة من مصدر بيانات ثري. فقد تم استقطاب نحو 15800 شخص أعمارهم بين 45 و64 عاماً لإجراء دراسة طويلة الأجل لتصلب الشرايين، أو تراكم الترسبات في الشرايين. وبدأ هؤلاء المتطوعون يشمرون عن سواعدهم في تقديم المساعدة في منتصف الثمانينيات، أي قبل ولادة ووكر، ومازالت متابعتهم قائمة حتى اليوم. وكجزء من دراسة تصلب الشرايين، اتفق المشاركون على الإجابة بانتظام عن الأسئلة المتعلقة بصحتهم والحضور كل بضع سنوات لإجراء اختبار. وبحلول عام 2010، حين بدأ الأشخاص في المجموعة بلوغ السبعينيات والثمانينيات من العمر، أضاف الباحثون مجموعةً جديدة من الاختبارات لرصد كل شخص مصاب بالخرف. وباستخدام السجلات الصحية، يمكنهم حتى تتبع تطور مرض الزهايمر بين المرضى الذين غابوا، مما يمنحهم مجموعة شاملة من حوالي 11 ألف شخص للدراسة.
وفي العقود التي انقضت منذ أن بدأوا في متابعة هؤلاء الأشخاص، سارعت التكنولوجيا في مضيها قدماً. واستطاع فريق المعهد الوطني للشيخوخة العودةَ إلى تلك العينات المبكرة، بطريقة قليلة الكلفة ويمكن الاعتماد عليها، واستطاعوا جردَ آلاف البروتينات الموجودة في بلازما كل شخص لمعرفة مدى ارتباط أي منها بخطر الإصابة بمرض الزهايمر في وقت لاحق من الحياة. وتوصلوا إلى قائمة من بضع عشرات من البروتينات التي تجلت بوضوح لدى الأشخاص الذين أصيبوا بالمرض. ويقول ووكر إن بروتينياً واحداً، يسمى «جي.دي.إف15»، كان الأكثر بروزاً. وهذا البروتين ضالع فيما يبدو في تنظيم أنواع معينة من الالتهابات، وهو مرتبط بمرض الزهايمر وغيره من الأمراض العصبية التنكسية، لكن لم يثبت حتى الآن أنه مؤشر على الإصابة بالخرف. وذكر ووكر أن عمليات البحث الإضافية أظهرت أن هذا يعد مؤشراً، لكنه ليس دافعاً للمرض. ويفترض الباحثون أنه من المحتمل أن يكون هناك جزيء مضاد للالتهابات يبدأ في التصدي لبعض المخاطر، وهي عملية تحدث في وقت مبكر من أربعينيات العمر. وهذا يدعم مجموعةً متزايدةً من الأدلة المتوفرة في الدراسات الجينية التي تشير إلى دور الجهاز المناعي في المرض قبل فترة طويلة من ظهور اللويحات في فحص الدماغ.
وهذه النتائج ليست اختباراً مبكراً لخطر الإصابة بمرض الزهايمر، بل ولا تحدد هدفاً واضحاً للعقاقير الجديدة. لكن تحديد هذه البروتينات، قد يساعد العلماءَ على فهمٍ أفضل للعمليات المبكرة جداً التي وضعت بعضَ الأشخاص على طريق الإصابة بالخرف. وهذا بدوره قد يقودنا إلى أفكار أفضل للعقاقير والاختبارات. ولفترة طويلة، ركز المجال على الأهداف الواضحة للأميلويد والتاو. ولحسن الحظ، يؤتي هذا العملُ ثمارَه أخيراً، لكن الاقتراب من العلاج سيتطلب فهماً أعمق للمراحل المبكرة من هذا المرض.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينجآند سينديكيشن»