في ظل تطور التقنية الحديثة والتكنولوجيا الرقمية الدقيقة التي أصبحت هاجس العالَم بأسره، أصبح الإنسان أسيراً لهذا التطور المذهل السريع في كل تفاصيل الحياة. وقد حدث ذلك رغم الفوائد والمزايا الكثيرة التي قدمتها هذا التقنيات للإنسان، من خدمات مدهشة وسريعة على المستوى العلمي والطبي والمهني، وعلى مستوى الاتصال والمواصلات إذ جعلت إنسان وكأنه يعيش في قرية صغيرة جداً. إلا إن هذا التطور الرقمي المذهل أفقد الإنسانَ بعضاً من آدميته بعد اعتماده الواسع على التقنية الحديثة في كثير من شؤون حياته، إذ أصبح كثير النسيان، وربما عديم المشاعر متبلِّدَ الأحاسيس، قليل الاعتماد على ذاكرته وفطنته.. أي أنه باختصار بات أسير الآلة الحديثة وما تشتمل عليه من محتوى رقمي حديث.
وبعد كل هذا التطور التقني، وما صحبه من علم ومعرفة ودراية، وما تأتَّى عنه من خدمات متقدمة جداً، أصبح العالَمُ في وقتنا الحالي يتحدث عن نقلة جديدة مرعبة، ألا وهي تطور الذكاء الاصطناعي الذي يُخشى أن يخرج عن سيطرة الإنسان فيكتفي بذاته ويحل محل الإنسان نفسه.

إن الذكاء الاصطناعي متمثلا في الروبوتات المتطورة هو محاكاة للعقل البشري ومحاولة لاستنساخ قدرات الإنسان. فباستخدام الآلات الدقيقة والبرمجيات المتطورة، أصبح بإمكان الروبوتات التعرفَ على الصوت والقيام آلياً بكثير من الوظائف والخدمات، وفي أكثر من مجال. كما أصبح بإمكانها عبر الاعتماد على التطبيقات الدقيقة، تنفيذ الأوامر وتلقي التعليمات الصوتية والقيام بأعمال شبيهة بأعمال البشر، علاوة على التعلم واكتساب المهارات الجديدة، بما في ذلك اكتساب لغات مختلفة.

وقد حذّر كثير من خبراء الذكاء الاصطناعي من استخدام تطبيقاته وإحلالها محلَّ الإنسان، لأنه يعطل العقلَ البشري ويلغي بعضَ وظائفه الأساسية، بل ربما يجرده من ذاته الآدمية، فيصبح كائناً بدون مشاعر إنسانية!
ورغم أهمية التقدم الهائل الذي تحرزه العلوم والتقنيات الحديثة، فإن هناك جوانب للذكاء الاصطناعي ربما تصبح خطراً على الإنسان وكينونته! وخلال تجربة أُجريت مؤخراً في الولايات المتحدة الأميركية على طائرة حربية مسيرة من سلاح الجو الأميركي، تم تلقينها بواسطة الذكاء الاصطناعي، تقرر إطلاق الطائرة في الجو لاكتشاف مواقع العدو وقصفه وقتله، لكنها انحرفت وعادت بسرعة وقتلت الخبراء والمشغلين لها! خبراء الذكاء الاصطناعي فسروا الحدث المأساوي بالقول إن الطائرة المسيرة لم تستوعب حجم الإلحاح والطلبات المكررة لها، مما جعلها تنقلب على صانعيها وتقتلهم!
وهي حادثة تذكرنا بقصة من الموروث البدوي القديم حول شخص يدعى «ابن برمان»، كان لديه طائر صقر روَّضه ودرَّبه على اقتناص الفريسة من أجل استخدامه للصيد في البراري.. فأطلقه في الهواء متوقعاً أنه سيعود له بالصيد السمين، لكن الصقر اصطاد أفعى وعاد بها كي يرميها على رأس ابن برمان، فلدغته ومات في الحال، وتحولت هذه القصة المثيرة إلى مثل شعبي متداول، حيث يقال: «يا ناقل الحيه على رأس راعيه»! وهذا ما نخشاه من الإفراط في استخدام الذكاء الاصطناعي الذي لا يميز عدوه من صديقه. فكيف لا تتكرر قصة «أبن برمان» مع التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي؟!

*كاتب سعودي