يشهد قطاع أشباه الموصلات الهندي زخماً لافتاً يغذّيه نقص الرقائق الإلكترونية في السوق العالمية والرغبة في تقليص الاعتماد على مصدر وحيد. كما يبدو أن الهند مستفيدة من حرب الرقائق بين الولايات المتحدة والصين. وفي هذا الإطار، تقوم شركة «مايكرون تكنولوجي» الموجود مقرها في الولايات المتحدة حالياً بإنشاء معمل للتركيب والاختبار والتعبئة بتكلفة 2,75 مليار دولار بولاية غوجرات الهندية. ويهدف المشروع إلى المساعدة على إنشاء سلسلة توريد لأشباه الموصلات في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة إلى تنويع مصادر سلاسل التوريد خارج الصين. ويأتي هذا في وقت تركز فيه الشركات الدولية على قطاع أشباه الموصلات في الهند، وسط جهود عالمية لتنويع سلسلة التوريد تفادياً لاضطرابات على غرار تلك التي حدثت خلال جائحة كوفيد-19.
في عام 2021 ساد الشعور بندرة أشباه الموصلات عبر العالم، بما في ذلك الهند. ولذا قررت هذه الأخيرة أن تصبح مكتفيةً ذاتياً في تصنيع رقائق أشباه الموصلات. وتشكّل أشباهُ الموصلات جزءاً أساسياً من كل المنتجات الإلكترونية تقريباً، من الهواتف المحمولة إلى الصواريخ والطائرات بدون طيار والقنابل الموجهة والطائرات المقاتلة والسفن البحرية وغيرها.
وكانت الإغلاقات التي فرضها وباء كوفيد وتوقف المصانع قد تسببت في نقص عالمي في الرقائق الإلكترونية. وحالياً، تشكّل تايوان وكوريا الجنوبية حوالي 80٪ من سوق الرقائق العالمية. وأعلنت شركة «جنرال أتوميكس» الأميركية عن مشروع لأشباه الموصلات بعد يوم واحد فقط على الاجتماع الافتتاحي لـ«المبادرة الهندية الأميركية بشأن التكنولوجيا الدقيقة والناشئة». وتندرج هذه المبادرة في إطار تعزيز التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والهند على خلفية المخاوف المشتركة بشأن نمو الصين وهيمنتها التكنولوجية المحتملة. ولهذا الغرض، دخلت الشركة الأميركية في شراكة مع شركة هندية ناشئة من أجل تطوير تقنيات أشباه الموصلات بشكل مشترك. وهناك العديد من الشركات الأخرى التي أبدت اهتماماً بقطاع شبه الموصلات الهندي. وفي هذا الإطار، يبحث تكتل «إنترناشيونال سوميكونداكتر كونسورتيوم»، الموجود مقره في إسرائيل، استثمارَ 3 مليارات دولار لإنشاء مصنع لتصنيع أشباه الموصلات في ولاية كارناتاكا جنوب الهند. ومن جانبها أعلنت «مجموعة تاتا» عن خطط لاستثمار 90 مليار دولار في صناعة أشباه الموصلات على مدى السنوات الخمس المقبلة، وتشمل الخططُ إنشاءَ مصنع متطور لتصنيع الرقائق.
وكانت الاضطرابات التي تسببت فيها جائحة كوفيد-19 قد أدت إلى سباق عبر العالم لإنشاء قدرات لتصنيع أشباه الموصلات وتنويع سلاسل التوريد. والجدير بالذكر هنا أن تايوان تهيمن على هذه الصناعة التي تبلغ قيمتها 500 مليار دولار، حيث تمثّل شركة «تي إس إم سي» نحو 50 في المئة من الإنتاج العالمي لرقائق أشباه الموصلات. وفي الأثناء، تعلن العديد من البلدان عن خطط وسط تقديرات بتضاعف حجم الصناعة بحلول 2030. وعلى سبيل المثال، أعلن الاتحاد الأوروبي عن خطط لتقديم مليارات الدولارات من الدعم المالي من أجل إنشاء مصانع لإنتاج الرقائق المتطورة.
لكن إنشاء منظومة صناعية متكاملة لأشباه الموصلات لا يُتوقع أن يكون هيناً. إذ ما زالت صناعة أشباه الموصلات في مرحلة النشأة، على الرغم من توفير الحكومة الهندية حوافزَ مهمة. ففي العام الماضي أعلنت الحكومة عن خطة للتحفيز بقيمة 10 مليارات دولار، تشمل تكفل الحكومة بـ50 في المئة من تكاليف المشروع من أجل جذب الشركات. ويذكر هنا أنه في عام 2021 بلغت قيمة سوق أشباه الموصلات الهندي 27,2 مليار دولار، وتتوقع «رابطة الإلكترونيات وأشباه الموصلات الهندية» أن ينمو سوق أشباه الموصلات في الهند بأكثر من الضعف خلال الفترة بين 2021 و2026 ليصل إلى 64 مليار دولار. لكن الخطط التي وضعتها البلاد عرفت بعض الانتكاسات، ومن ذلك انسحاب شركة «فوكسكون» التايوانية من مشروع مشترك لإنتاج أشباه الموصلات بقيمة 19,5 مليار دولار مع مجموعة «فيدانتا» الهندية. وكانت الشركتان قد تقدمتا، من خلال المشروع المشترك، بطلب للاستفادة من برنامج حوافز حكومي من أجل إنشاء منشآت لأشباه الموصلات، تشمل مصانع تنتج دوائر متكاملة من رقائق السيليكون الخام في ولاية غوجارات. غير أنه لم يكن متوقعاً أن تكون سريعة، إذ تشير التقديرات إلى حاجة الهند إلى ثلاث سنوات لتطوير المنظومة الصناعية من الصفر.
ولئن كانت الهند تفتقر إلى منشآت كبيرة لتصنيع أشباه الموصلات، فإنها تتمتع بقدرات في أبحاث وتصميم أشباه الموصلات، ناهيك عن ميزة اليد العاملة الرخيصة ووجود قاعدة صناعية. وتكمن ميزة الهند في قوتها البشرية. ذلك أن حوالي 20٪ من المهندسين في صناعة أشباه الموصلات في العالم من الهند. ولهذا، فإذا استطاعت الهند استغلالَ ذلك، فإنه سيساعد طموحاتها الصناعية. وفي الوقت نفسه، تمتلك الهند فرصةً للاستفادة من الوضع العالمي الراهن. إذ يُنظر إلى حرب الرقائق الدائرة بين الصين والولايات المتحدة على أنها ظروف مواتية للهند. ذلك أن الولايات المتحدة تسعى إلى تنويع إمدادات أشباه الموصلات، بسبب التوترات في العلاقات مع الصين.
وفي الأثناء، شُكِّل فريق عمل من «رابطة صناعة أشباه الموصلات في الولايات المتحدة» بالشراكة مع «رابطة الإلكترونيات وأشباه الموصلات في الهند» بمشاركة «مهمة أشباه الموصلات التابعة للحكومة الهندية»، من أجل تقديم توصيات بشأن الفرص والتحديات المتعلقة بتطوير الصناعة في الهند. ومن المعروف أن منشآت تصنيع السيليكون وكذلك الصناعات الأخرى المرتبطة بها لديها فرص وإمكانيات للتطور في الهند. وأي تأخر لن يؤدي إلا إلى خسارة الهند أمام البلدان الأخرى. ولهذا، فإن الهدف، على مدى السنوات الست المقبلة، هو إنشاء أكثر من 20 وحدة تصنيع لتصميم وإنتاج مكونات أشباه الموصلات في الهند. غير أنه من غير الواضح ما إن كان ذلك سيترجم على أرض الواقع وكيف.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي