بشكل عام، وعلى المستوى العالمي يعتبر تراث الماضي القريب الخاص بالأدبيات البينية المتعلقة بالوعي البيئي معقدة، وفي بعض دول العالم العربي هي أكثر تعقيداً وتشابكاً بسبب عدم وجود اهتمامات قديمة واسعة النطاق بمسائل البيئة والمحافظة عليها.
إن النظرة البدائية إلى مسائل البيئة لدى العرب وأنماط حياة ما قبل عصر التصنيع والصناعة الواسعة النطاق لديهم يعتبرها الدارسون بديل جذاب لنظرة أمم الغرب الصناعية الميكانيكية ذات المنابع الحديثة في عالم اليوم. هذه النظرة منعكسة في أعمال عدد من كتاب القرن العشرين وما مضى حتى الآن من القرن الحادي والعشرين المهتمين بمواضيع البيئة وحمايتها من آثار دمار تلحق بها في العديد من أقطار العالم العربي.
هذه النظرة تنسحب أيضاً على مقولات الطبيعة التي تعتبر لديهم مقولات متحدة مع بعضها من زاوية التوجه نحو المحافظة على البيئة بالإضافة إلى المحافظة على الطبيعة الأولى للكرة الأرضية والحياة البشرية عليها، وما يتم من إنتاجه من غذاء يستهلكه الإنسان والحيوان والنبات.
في هذا المقام لست مهتماً كثيراً بالمقارنة بين ما يكتبه الكتاب العرب وما يكتبه غيرهم من كُتاب العالم حول مواضيع البيئة والمحافظة عليها والطبيعة الأولى للحياة وما يقتضيه ذلك من الالتزام بأسسها وقوانينها وشرائعها التي سنها لنا واحد أحد هو خالق الكون والطبيعة والبشر، لكن المهم في الأمر هو أن ما يقوله الكتاب العرب يختلف عما يكتبه الكتاب الآخرون، خاصة الغربيون منهم الذين سبقوهم بطرق مهمة.
وعلى أية حال، فإن الذي كتبه حتى الغربيون اللاحقون يختلف عما كتبه السابقون لهم.
إن المثالية الفلسفية لاحترام الطبيعة والبيئة اختفت بشكل ملحوظ، وأصبح اللاحقون من الكتاب والمهتمون يقيمون اهتماماتهم ودفاعاتهم عن البيئة والطبيعة - جزئياً على الأقل - على ملاحظات ومعطيات وأفكار وأهداف ذات طبيعة تتصل بالمعرفة العلمية الحديثة الصرفة.
وهنا، فالدراسات البيئية التي محورها الإنسان ذو النزعة البشرية المجردة المحب للطبيعة النظيفة التي وجد نفسه فيها وفطر عليها، تم استبدالها لاحقاً بدراسات مفكرين جدد معاصرين تم فيها الفصل بين الإنسان ككائن بشري وبين البيئة والطبيعة كأمور مجردة ومستقلة عن الإنسان ذاته.
بهذه الطريقة أصبحت وجهات نظر المفكرين الجدد تقوم على كون الطبيعة الخارجية لما هو محيط بالإنسان يتم تقييمها بمحض ذاتها وبشكل مجرد لا دخل للإنسان فيها.
وهذا يعني أن الإنسان في البيئة والطبيعة يتم النظر إليه على أنه شريك من بين عدة شركاء متساوين بشكل مشترك في عملية كلية جامعة.
هذه الفلسفة الجديدة تمثل في تقديري انتقالاً مهماً من شأنه أن يطلق عليه مسمى جديداً خاصاً به هو: «ما بعد البيئة الإنسانية»، كمسمى صحيح له يتناسب مع هذا النمط من الفلسفة والتفكير الجديد.
لكن بالنسبة لي على المستوى العام للمسألة القبول بمثل هذه الفلسفة، وهذا التفكير الذي يتم فيه الفصل التام بين الإنسان وبيئته والطبيعة والفطرة الأولى التي فطر الخالق عز وجل عباده عليها ليس وارداً على إطلاقها فيما يتعلق بالجوانب الخاصة بالافتراضات التي محورها الإنسان.
إن أي فكر سوي حول علاقة الإنسان بالبيئة والطبيعة لا بد وأن يرتكز على لبنة أساسية قوامها أن «الإنسان هو محور الكون»، وأن بقية المخلوقات والأشياء خلقت لكي يتم تسخيرها لخدمة الإنسان.
هذا هو الفكر وهذه هي الفلسفة التي ينادي بها الدارسون الأصوليون في هذا المجال، وهي أفكار وفلسفات هيمنت على الفكر الإنساني والثقافة البشرية لردح طويل من الزمن.
إن عدم القبول هذا الذي يلمسه القارئ الكريم في ما أطرحه ظهر بالتدريج من طرح التساؤلات المتلاحقة حول اعتماد المجتمعات الحديثة على ما يسمى بالفكر العقلاني الصرف المعتمد على المادية وعلى مقولات الطبيعة. الفكر المادي الحديث هذا قائم على التشعبات والتعريفات الثنائية، وبالنسبة لأصحابه التشعيب الأساسي هو الانقسام بين العقل والجسد.
*كاتب إماراتي