في منتصف السبعينيات طلبنا من رئيس الجامعة آنذاك، أن يرتب لنا لقاءً مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فأجاب: بأنه على استعداد لإيصال مطالبنا إلى سموه. ولكن الطلبة أصروا على هذا اللقاء التاريخي معه مباشرة، من غير حواجز ولا ترجمان من أحد. عندما علم الشيخ زايد بمقصدنا من الاجتماع معه، قام بزيارة العين لهذه الغاية.

وفي الموعد المحدد قرر الطلبة القيام بمسيرة على الأقدام من الجامعة إلى مقر إقامته في قصر المقام بمدينة العين، لمسافة عشرين كيلومتراً. وكان يوماً عصيباً، بما تحمله هذه المسافة الطويلة وشمسها الحارقة لما تحت الجلود. ولم يكن الشيخ زايد يعلم بأننا ذاهبون إليه راجلين، وبعد ما عرف علق قائلا: «هذا جنون، صدق إنهم ما يدرون عن خطورة المشي في هذه الأجواء الصعبة». هناك تحركت الرؤية الإنسانية لدى الشيخ زايد، فوجه أوامره لكل الجهات الأمنية بتوفير سيارات مناسبة لتنقلنا عنده في أسرع وقت خوفاً علينا من ضربة الشمس لطول الطريق إلى قصره.

أجواء الاستعداد لمقابلة المغفور له الشيخ زايد كانت مهيبة، توقعنا في صورتنا الذهنية بأن يجلس على كرسي فخم للغاية في قصر مرصع بما غلا ثمنه، ولكن الواقع رأيناه يجلس متواضعاً على الأرض كما نجلس نحن في بيوتنا على أثاث تقليدي مثل الذي نستخدمه، فبدأت راحة أكفنا تصافح قلبه وليس يده، والبشارة والبشاشة لا تفارق محياه، والفرح والسرور باد على وجهه طوال وقت اللقاء الذي طال.ترى ماذا كانت مطالب الطلبة من هذا القائد في تواضعه؟! تخفيض عبء الانتقال من مقر سكنهم إلى الجامعة، لأنها كانت عبئا على الطلبة الذين يستخدمون مركباتهم الشخصية خاصة القادمين من مناطق بعيدة عن مقر الجامعة في مدينة العين. وقد تحدث الطلبة عن هذا المطلب بصوت واحد، فرد الشيخ زايد بكلمة واحدة قصيرة: «تم».

فلم يزد الطلبة على ذاك شيء، فهمّوا بمغادرة المكان بعد الاستئذان، فبادر الشيخ زايد قائلاً:« ضاربين درب بس عشان هذا الطلب، عيالي قولوا لي كل اللي في خاطركم»، جاء الإذن من صاحب الشأن، فتحدث الجميع مرة واحدة، ولكن مدير مكتبه قال: واحد واحد لو سمحتم، ثم وجه الشيخ زايد كلمته إلى الطلبة قائلا: اختاروا أكبركم سنا ليتحدث عنكم.

دب الهدوء في الجميع، وساد الصمت وكأن الطير حلت على رؤوسهم. فاختار الطلبة طالبا قد عاد إلى الجامعة بعد 16 عاماً من انتهائه من المرحلة الثانوية، يعني أنه كان مؤهلاً ومتحدثاً مفوهاً لفارق الخبرة الحياتية. بدأ حديثه بالثناء على الشيخ زايد وبما يليق بمقامه السامي، فقال طال عمرك إنت ما مقصر أبداً، وطلب توفير خدمات ضرورية آنذاك في بعض المناطق. رد الشيخ زايد قائلا: «فالكم طيب واللي تبونه يصير». وكانت أصداء الزيارة الأولى، في اليوم التالي تسد آفاق الإعلام الرسمي للدولة، وكل ما تم تناوله انطبقت عليه الكلمة السحرية في «تم».

*كاتب إماراتي