(سيبقى تاريخنا وهويتنا وموروثنا الثقافي جزءاً أساسياً في خططنا إلى المستقبل)، المتأمل لهذه الكلمة التي قالها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وهو يؤسس لمرحلة جديدة من تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة يجد أحد أهم جوانب قوة دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي إيمان القيادة، والذي هو انعكاس لإيمان المجتمع بأهمية الهوية الوطنية في بناء المستقبل.

تظل الهوية الوطنية عمود الخيمة الذي تُبني عليه كل مقومات التطور والنمو، وحين ننظر للعوامل والمكونات التي تؤثر في بنية الهوية الوطنية. تشمل هذه المكونات جوانب عدة تمثل التاريخ والثقافة والقيم واللغة والدين والجغرافيا والسياسة والاقتصاد والتفاعلات الاجتماعية. هذه المكونات تتفاعل مع بعضها البعض لتشكيل الهوية الوطنية للمجتمع.

تعكس هذه المكونات الروح والطبيعة الخاصة للمجتمع وتشكل أساس التفاعل مع العالم الخارجي. حين ننظر لعنصر الثقافة بصورة أكثر تحديداً سنجد أنه يتمثل في العادات والتقاليد المجتمعية والمنتج الأدبي والإبداعي والفكري والفني للمجتمع. في السنوات الأخيرة تنامت بشكل كبير القراءة كسلوك يومي ومستدام للإنسان الإماراتي، صاحب هذا النمو المطرد نمو في حركة الإبداع والنشر للأدباء الإماراتيين الشباب.

هذا الزخم الكبير من الحركة الإبداعية الأدبية جعل البنية الأساسية المعرفية والفكرية للأدباء الشباب تتصدر المشهد وتطرح العديد من التساؤلات حول الهوية الوطنية الإماراتية، ومدى انعكاسها على أعمالهم الإبداعية وبصفة عامة مدى انعكاسها على الإبداع الأدبي الإماراتي ومن ثم التأثير على الهوية الوطنية للأجيال الناشئة.

الإشكالية الأهم في تأثير الإبداع الأدبي في الهوية الوطنية تكمن في تأثيره على منطقة اللاوعي لدى الإنسان، فالقارئ الإماراتي لا يقرأ الإبداع الأدبي الإماراتي فقط ولكن يقرأ الأدب من الثقافات كافة.

والقراءة تبني الوعي وتؤثر بصورة مباشرة على منطقة اللاوعي للإنسان كما أسلفت، وهذا التأثير مع الوقت ينعكس على الأفكار والسلوكيات التي من الممكن أن تكون معاكسة للهوية والثقافة الإماراتية.

يقول مايكل شادلِن، أستاذ علم الأعصاب بجامعة كولومبيا (الأغلبية الساحقة من الأفكار الدائرة في أدمغتنا تجري بعيداً عن رادار العقل الواعي)، أي أنها تجري في منطقة العقل اللاواعي، والقراءة الأدبية ليست قراءة تتم من خلال الوعي فقط، بل تتشارك فيها الحواس والمشاعر مع العقل.

فقراءة الأفكار المجردة هي قراءة يختص بها العقل الواعي، وقد يمتد تأثيرها على اللاوعي ولكن قراءة العمل الإبداعي شعراً كان أو سرداً، فإن التفاعل لا يكون على مستوى العقل والأفكار فقط، بل هناك التعاطف الشعوري مع الأبطال والأحداث، كل ذلك ينقل رسائل ومؤثرات إلى اللاوعي، ويخلق رؤية وأفكاراً ومعارف تنعكس بصورة واضحة على مفاهيم الإنسان ورؤاه، وبالتالي فإن مفردات الهوية الوطنية تصبح عرضة للتأثر والتغيير، سواء للاتجاه السلبي أو الاتجاه الإيجابي. من ثم نجد أن مدى رسوخ الهوية الوطنية في الأعمال الإبداعية الإماراتية والمعطيات الحياتية المحيطة بعقل الإنسان الإماراتي تحقق حالة من التوازن وتبني الدرع الواقي من التغير الذي يمكن أن يحدث في الاتجاه السلبي للهوية الثقافية الإماراتية، وفي التوقيت نفسه يسمح بالعديد من التغيرات التي تسير في الاتجاه الإيجابي من ترسيخ قيم إنسانية عظيمة تمتلكها هويتنا الإماراتية كالتسامح وقبول الآخر واحترام حق الآخر في الحياة والوعي.

*باحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي، أستاذ زائر بكليات التقنية العليا للطالبات، أستاذ زائر بجامعة الإمارات العربية المتحدة.