أثار مؤتمر مجموعة «بريكس»، الذي عقد مؤخراً بجنوب أفريقيا، الكثيرَ من الجدل حتى قبل انعقاده، خصوصاً وأن جدول أعماله تضمن بنوداً مهمة، كمناقشة طلب العضوية الذي تقدمت به 20 دولة، وإمكانية إصدار عملة مشتركة، والسياسات المالية الدولية، وتدعيم نظام عالمي متعدد الأطراف.. إلخ. كما اكتسب المؤتمر أهميةً أضافيةً بسبب الظروف الدولية التي عُقد في ظلها، وبالأخص الحرب الأوكرانية الروسية وما أعقبها من تداعيات اقتصادية ومالية أثَّرت بشدة في الاقتصاد العالمي.

وبالتأكيد تكتسب عضوية منظمة بحجم «بريكس» أهميةً كبيرة، فالثقل الاقتصادي للمجموعة بلغ 31.7% من حجم الاقتصاد العالمي في العام الجاري 2023 ارتفاعاً من 18% فقط عام 2011، ويتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 50% في عام 2030، ما يعد مؤشراً على متنامي دور «بريكس»، وما يمثله ذلك من أهمية مالية وتجارية للدول الأعضاء.

وقد تناولت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي الكثيرَ من الأخبار والبيانات الخاصة بالمجموعة، مما يتطلب توضيحَ بعض المسائل الفنية والمهنية، إذ تم قبول عضوية 6 دول فقط لها ثقلها الاقتصادي وأهميتها اللوجستية، وذلك حرصاً من المجموعة على التوسع المدروس بصورة متأنية لاستيعاب الأعضاء الجدد حرصاً على دقة الاختيار، إذ تم اعتماد وثيقة استرشادية لقبول الأعضاء في المستقبل.

وسيضيف انضمام الدول الست ثقلاً اقتصادياً ومالياً ولوجستياً كبيراً للمجموعة، فهذه الدول تتمتع بثروات هائلة وبموقع استراتيجي. فدولة الإمارات، إضافةً إلى كونها دولة مصدرة للنفط، تعتبر مركزاً عالمياً للتجارة والأعمال.

كما تُعد السعودية أكبر مصدِّر للنفط، إضافة لموقعها عند منافذ التجارة الدولية.. مما يعني أن مسألة الطاقة ستحصل على زخم جديد بانضمام الدولتين الخليجيتين، في حين تتمتع مصر بموقع لوجستي يتيح لها التحكم في قناة السويس، كأهم معبر للتجارة الدولية، وتكتسب كل من إيران وإثيوبيا والأرجنتين أهميةً اقتصادية وجيوسياسية بفضل امتلاكها ثرواتٍ طبيعيةً وثقلا سياسياً، مما سيكسِب بريكس أهميةً كبيرة بانضمام هذه الدول اعتباراً من بداية عام 2024. أما فيما يتعلق بإصدار عملة موحدة، فإن «بريكس» تدرك صعوبةَ ذلك في الوقت الحاضر، حيث صرّح رئيس جنوب أفريقيا بأنه لا توجد نية لإصدار عملة مشتركة، إذ يحتاج إصدارها إلى بنك مركزي موحَّد، وإلى تقارب في الأوضاع المالية والنقدية، وهو شرط ما زال غير متوفر بسبب التفاوت الكبير بين الدول الأعضاء.

إلا أن دول المجموعة باستطاعتها الاتفاق على عملة حسابية فيما بينها، مما سيعد إنجازاً يتيح تنمية التبادل التجاري البيني والتوسع في استخدام العملات الوطنية وتخفيض الاعتماد على العملات الأخرى وتجنب العقوبات. وسيكون لهذه التطورات انعكاسات على موازين القوى في العالم باتجاه الدفع نحو إقامة نظام متعدد الأقطاب، والذي يمثل أحد أهم أهداف دول المجموعة لإيجاد نظام عالمي أكثر إنصافاً تسوده العدالة والعلاقات المتوازنة باعتبار التنمية حقاً لكل الدول، كما قال الرئيس الصيني، وكما أشار الرئيس الفرنسي بعد انتهاء مؤتمر بريكس قائلاً: «لا يمكن التقليل من محاولة توسيع بريكس وتشكيل نظام عالمي جديد».

وخلال أكثر من عشر سنوات قطعت المجموعةُ شوطاً مهماً نحو تحقيق أهدافها، حيث قام بنك بريكس للتنمية بتنفيذ مشاريع تنموية مهمة بالدول الأعضاء، وبالأخص في مجال البنى التحتية والطاقة، تلك التوجهات التي يتوقع أن تتسارع بانضمام الدول الست الجديدة، إذ أعلنت الإمارات عن نيتها دعم البنك، مما سيساعد على إحداث تغييرات جذرية في النظام الدولي من الناحيتين الاقتصادية والجيوسياسية، علماً بأن ذلك يتطلب بعضَ الوقت، كما أنه بحاجة لإعادة حسابات من قبل القوى الأخرى والاعتراف بالمستجدات، وبالأخص الثقل المتزايد لهذا التكتل الواعد والتعاون معه، باعتباره قوةً صاعدةً تسعى إلى إيجاد عالَم متنوع ويعمل على حل الأزمات بالطرق السلمية، مما سيتيح فرصاً عادلة للتنمية المستدامة، وذلك بعد أن وضعت «بريكس» الأسس اللازمة لهذا التحول العالمي.

*خبير ومستشار اقتصادي