أخذتُ أتأمل فيما يمكن أن تكون الخلاصة الأهم لقمة العشرين بنيودلهي، التي صدر بيانها الختامي يوم السبت الماضي، فوجدتُني أُخاطر بطرح افتراض مفاده أن ثمة علامات استفهام حقيقية حول مستقبل هذا التجمع الذي يضم أقوى 20 اقتصاداً في العالم، ومن ثم يُفترض فيه أن يكون بمثابة «المكتب التنفيذي» للاقتصاد العالمي على الأقل كآلية تنسيق تعمل لتحقيق الحد الأقصى من الملاءمة بين مصالح أعضائها التي تنطوي بالضرورة على تناقضات، بعضها أساسي كما في الحالة الأميركية الصينية مثلاً، رغم الاعتماد الاقتصادي المتبادَل الهائل بينهما.

ولا شك في أن نجاح هذا التنسيق يحتاج حداً أدنى من التوافق السياسي، وهو بالتأكيد غائب حالياً. وقد نجحت قمة نيودلهي، غالباً بفضل جهود الهند، في التوصل لصيغة وسط في البيان الختامي بشأن الحرب الروسية الأوكرانية، حيث أدان بيانُ القمة استخدامَ القوة بصفة عامة، دون أن ينسب المسؤولية لطرف محدد، وهو ما أثار غضب أوكرانيا لأن هذه الصيغة تعد تراجعاً عن صيغة قمة بالي 2022 التي نددت بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

غير أن الموقف من الحرب في أوكرانيا ليس هو المهم، وإنما قدرة المجموعة على تبني مواقف متناسقة تجاه القضايا الكبرى في الاقتصاد العالمي، وكيف يكون هذا وحوالي نصف أعضاء المجموعة منخرطون في عقوبات شاملة على روسيا التي هي عضو!

غير أن قمة نيودلهي أضافت إلى ذلك الانقسام تساؤلات حول مغزى غياب الرئيس الصيني عن القمة، وإذا كان غياب الرئيس الروسي مفهوماً في سياق الظروف الراهنة للحرب في أوكرانيا، فإن تحليلات كثيرة أشارت إلى علاقة بين غياب الرئيس الصيني وخلافات بلاده مع الهند من ناحية والولايات المتحدة من ناحية أخرى.

ولا يخفى أن ثمة خلافات إقليمية بين الصين والهند التي احتجت على خريطة رسمية صينية تضم أراضي محل تنازع بين البلدين، كما ذهب البعض إلى أن الصين تريد توصيل رسالة للهند بشأن تعاونها المتزايد مع الغرب، وإن كانت المصادر الهندية تؤكد أن هذا نوع من الحياد الإيجابي، بدليل علاقة الهند القوية بروسيا أيضاً. وإلى ذلك، فثمةَ مَن ينظر إلى المشروع الضخم الجديد لطريق يربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط، باعتباره منافساً لـ«مبادرة الحزام والطريق» الصينية.

كما أن توتر العلاقات الأميركية الصينية بدوره غير خافٍ، سواء بسبب السلوك الأميركي تجاه تايوان الذي يستفز بكين في قضية القضايا بالنسبة لها، أي وحدتها الإقليمية، أو بسبب الخشية الأميركية من صعود الصين عالمياً، وبداية ترجمة نجاحاتها الاقتصادية إلى حضور سياسي. ولذا يمكن أن تكون الرغبة في تجنب لقاء الرئيس الأميركي سبباً مضافاً لغياب الرئيس الصيني عن القمة، خاصة وأنه لا يريد له أن يستغل هذا اللقاء لأسباب انتخابية.

وفي إطار التحليل السابق يمكن طرح افتراض مفاده أن شمس مجموعة العشرين ربما تكون آخذة في الغروب، وأن أقوياء العالَم اقتصادياً ربما يكونون قد فقدوا القدرةَ على العمل المنسق، وأن المستقبلَ قد يفسح الطريقَ لاستقطابات اقتصادية أكثر حدةً تعزز النزاعات والصراعات السياسية الراهنة، وهو افتراض يتطلب جهوداً تحليليةً عميقةً للتحقق من صحته أو خطئه، لأنه لو صح فإن معنى هذا أنَّ العالَمَ بانتظار أوقات صعبة تَتَعزَّز فيها الخلافاتُ والصراعات السياسية بأبعاد اقتصادية.

*أستاذ العلوم السياسية - جامعة القاهرة