استكمالاً للجدل الدائر حول التنوع الاقتصادي بدول مجلس التعاون واستناداً إلى ما جاء في مقالة الأسبوع الماضي، فإن الدعم الإضافي لمسيرة التنوع يتمحور حول السياسات الاقتصادية المحلية المتفاوتة من جانب واستكمال مقومات التعاون الخليجي، وبالأخص إقامة السوق الخليجية المشتركة، من جانب آخر.

وفي الجانب الأول، فإن تفاوت السياسات الاقتصادية بين دول المجلس أدى إلى بروز تجارب تنموية مهمة، أدت بدورها إلى تنوع اقتصادي ساهم في زيادة معدلات النمو وتقليل الاعتماد على الثروة النفطية، مقابل تنوع أقل في دول أخرى نتيجةً لبطء اتخاذ القرار الاقتصادي أو للسياسات الاقتصادية التقليدية، وهو ما يتطلب دراسةَ هذه التجارب وتنشيط الدورة الاقتصادية بالاستفادة من تجارب الدول الأكثر تنوعاً وديناميكيةً في اتخاذ القرارات والسياسات.. على أن يتم ذلك من خلال تبادل التجارب بإيجاد فرص استثمارية جديدة، مما سيؤدي إلى المزيد من التكامل بين الاقتصاديات الخليجية.

ومع ملاحظة تَوجّه بعض دول المجلس في السنوات القليلة الماضية للاستفادة من هذه التجارب، فإن الأمر بحاجة للمزيد من التنسيق ثنائياً وجماعياً من خلال الأمانة العامة لمجلس التعاون، والتي هي بدورها بحاجة لتوجيه المزيد من الاهتمام للتعاون الاقتصادي.

وعلى علاقةٍ بالجانب الأول، فإن التنوع الخليجي يمكن أن ينتقل إلى مرحلة أكثر تطوراً من خلال إنجاز بنود التعاون المؤجلة، كالاتحاد الجمركي والسوق المشتركة والتي سيؤدي إنجازها إلى فتح أسواق دول المجلس على بعضها البعض وتحولها إلى سوق موحدة كبيرة، مما سيتيح فرصاً استثماريةً لا حدود لها ستنَفَّذ من خلالها مشاريعٌ تنمويةٌ مهمة في مختلف المجالات؛ أولاً بفضل وجود السوق الموحدة بحد ذاتها، وثانياً بفضل حرية انتقال السلع واستيرادها وتصديرها من مختلف المنافذ التجارية للدول الست دون عوائق أو إجراءات معقدة.

وإلى ذلك، فإن الكثير من المشاريع التي يمكنها المساهمة بصورة كبيرة في التنوع بحاجة لرؤوس أموال هائلة قد لا تتمكن بعض دول المجلس من استقطابها بصورة منفردة، إلا أن وجود السوق المشتركة والتي ستتيح حرية انتقال السلع والخدمات والاستثمارات يمكنها التغلب على هذا العائق، بحيث تشترك الاستثمارات الخليجية من القطاعين الحكومي والخاص في تنفيذ هذه المشاريع والتي سبق أن نُفذ بعضها وتَرتبتْ عليه نتائج وإنجازات استفادت منها كافة الدول المساهمة في هذه المشاريع، حيث تمكن الإشارة إلى بعضها، كمصانع الألمنيوم، وشركة الخليج للصناعات البتروكيماوية في البحرين التي تعد أمثلة ساطعة توضح مدى المكاسب التي يمكن تحقيقها، بما في ذلك إضفاء المزيد من التنوع، إضافة إلى توفير فرص العمل التي تناسب المواطن الخليجي.

وبدمج التوجهين المحلي والخليجي المشترك، فإن نقلةً نوعيةً ستشهدها الاقتصادات الخليجية، والتي سيأتي ترتيب اقتصادها المشترك ضمن الاقتصادات العشرة الأكبر في العالم، مما سيمنحها قوةً اقتصاديةً وجيوسياسية كبيرة، خصوصاً وأنها تتمتع بعضوية أهم المنظمات والتكتلات الاقتصادية، كمجموعة العشرين وتكتل «بريكس»، مما سيكسبها ثقلاً إضافياً ودوراً عالمياً يمكن تسخيره لدعم المصالح الخليجية.

ومع أنه تتوفر لمثل هذا التحول كافة عوامل النجاح، كالبنى التحتية المتطورة ورؤوس الأموال والموارد البشرية المحلية، فالصورة ليست وردية، فهناك صعوبات وعراقيل متعددة، غير أن إمكانية تجاوز هذه العوامل مسألة متاحة إذا ما تم النظر إليها من منطلق المصالح المشتركة ومتطلبات الظروف المستجدة في العلاقات الدولية.

كما أن ذلك سيوفر لدول المجلس المزيدَ من الاستقرار الاقتصادي والمالي، وسيساهم في علاج إحدى أهم المسائل الخاصة بتوفير فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة من خلال التنوع الاقتصادي الذي يمكن أن يتجذر بفضل التعاون الخليجي المشترك الذي يستحق إيلاءه اهتماماً أكبر والعمل من أجل إنجازه.

*خبير ومستشار اقتصادي