جمعني مؤخراً حديث ذو شجون مع صديقي القديم حول مدى التطور المادي الذي بلغته الدول المتقدمة في العديد من المجالات، سواء على ظهر كوكب الأرض أو في الفضاء، وكونها ما فتئت تعمل ليلَ نهارَ على المزيد منه.

وخلال الحديث توجه لي صديقي بتساؤل أقرب إلى الاستغراب حول سبب التطور المادي المذهل الذي بلغه الغرب بفضل الإنسان الغربي نفسه الذي تحول لديهم لما يشبه «الآلة»، وقد بات شُغله الشاغل المزيدَ من الإنتاج محافظاً على قدراته الذهنية والبدنية، كي لا تجد هذه البلدان نفسها وقد خرجت مضطرةً من قافلة التصنيع.

وكان تعليقي أن الإجابة تكمن أساساً في التساؤل؛ فالغرب الذي تبنى المفاهيم المادية لتحقيق الارتقاء في المجالات كافة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية والهندسية وغيرها، كان الإنسان هو «الترس المحرك» لنهضته باعتباره الوسيلة لبلوغ الغاية، الأمر الذي أدى في الوقت نفسه إلى تخلخل العلاقات الأسرية وتهلهل بنية المجتمع.

وعلى النقيض من ذلك، وتجنباً لمثل هذه الأثمان الاجتماعية والإنسانية، ركزت قيادتُنا الحكيمة منذ البداية على خلق وتدعيم التوازن المثالي بين الإنسان والتطور المادي. فمن جانب، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، قمنا بإرسال أول رائد فضاء عربي إلى المحطة الفضائية الدولية، ومن قبله إطلاق «مسبار الأمل» إلى كوكب المريخ من خلال مركز محمد بن راشد للفضاء. وغير بعيد من الفضاء، أي في مجال الطيران الجوي، نجحنا في تصنيع أجزاء هياكل ومعدات الطائرات من المواد المركبة في شركة «ستراتا».

وهذا فضلاً عن الاعتماد على تطبيق أحدث أطر عمل تقنيات الثورة الصناعية الرابعة والرقمنة الحديثة لتحقيق الريادة العالمية في قطاعات المنصات والأنظمة، والأسلحة والصواريخ، والحرب الإلكترونية والتقنيات السيبرانية، ودعم المهام والعمليات التجارية من خلال مجموعة «إيدج» للتكنولوجيا المتقدمة. وكافة تلك النماذج، وغيرها من النجاحات الكثيرة، أبلغ دليل على دور الإنسان الإماراتي في تشييد التطور الحضاري لدولة الإمارات العربية المتحدة. وعلى الجانب الآخر، فقد اهتمت قيادتنا ببناءَ «الإنسان» باعتباره الأساس، وليس مجرد «آلة» للتطور المادي كما في تجارب أخرى.. والبراهين على ذلك كثيرة ولا حصر لها.

فالإنسان الإماراتي يعمل بجد للمساهمة في عجلة التطور المادي، وهو مطمئن على كل ما من شأنه ترسيخ وإدامة قيمه الاجتماعية والأسرية النابعة من تعاليم الدين الإسلامي ومن الموروث العربي التليد.

ويأتي الأمن والأمان على رأس هذه الأمور التي تعزز ارتباط المواطن الإماراتي بأسرته ومنزله وعمله، حتى أنه قد يسافر في الفضاء ليبقى شهوراً هناك وهو مطمئن كامل الاطمئنان على أسرته. كما نجد حرصَ القيادة على توفير السكن المناسب للمواطن وأسرته، ليضمن بذلك السكينة والاستقرار الاجتماعيين. وعلاوة على ذلك يتم تقديم كافة الخدمات الطبية بالمجان، سواء داخل الدولة أو خارجها، لجميع مستحقيها من المواطنين وأسرهم، مع توفير التعليم العام والتعليم العالي بالمجان لصالحهم.

وبذلك يكتمل مربّع الاحتياجات الأساسية للإنسان في عصرنا الحالي؛ أي الأمن والسكن والعلاج والتعليم.وهنا يتضح جلياً اهتمام قيادتنا الرشيدة بخلق التوازن المثالي المطلوب في حياة الإنسان بين احتياجاته الروحية والاجتماعية والمادية، مع الأخذ التام بأسباب التطور والتنمية، والتركيز على الإنسان الإماراتي بجميع أبعاده.

*باحث إماراتي