قامت الكويت بتوقيع اتفاقية مشتركة مع الصين لاستكمال ميناء مبارك المكون من أربع مراحل، والذي يُعد واحداً من أكبر موانئ الخليج العربي، والمتوقع أن يلعب دوراً محورياً في التجارة الإقليمية والعالمية بحكم موقعه وقربه من أسواق كبيرة، مما يشكل إضافة كبيرة لموقع الخليج التجاري. دولة الكويت تمتلك إمكانات وقدرات فنية وإدارية ومالية تتيح تنفيذ المشروع وتعميم الاستفادة منه للطرف الآخر الذي يفتقر إلى هذه الإمكانات والتي يمكن الإشارة إلى بعضها.

وفي الجانب الإداري، اكتسبت دول مجلس التعاون الخليجي، بما فيها الكويت تجربة غنية في مجال إدارة الموانئ، بحيث أصبحت تدير عشرات الموانئ في القارات كافة، بما فيها الدول المتقدمة في أوروبا وأميركا الشمالية، فموانئ دبي العالمية تدير وتشغل حالياً 80 ميناء ومرفأ في ثلاثين دولة، كما بدأت موانئ أبوظبي في التوسع من خلال اتفاقيات للمشاركة في مصر وغينيا وباكستان، مما يعني أن التجربة والنجاح الخليجي في هذا الشأن أكسبها الثقة، وهو ما يمنح الكويت إمتيازاً في هذا الشأن، خصوصاً أنها تنوي التنسيق مع شريك لإدارة الميناء الجديد، إذ من المحتمل أن يكون هذا الشريك خليجياً لتعميم الاستفادة.

وكما هو معروف، فإن تنفيذ مشروع كبير بحجم ميناء مبارك بحاجة لاستثمارات ضخمة يمكن للكويت توفيرها بفضل قدراتها المالية، إذ من دون هذه القدرات لا يمكن تنفيذ هذا المشروع، وهو ما سيفوت فرصة اقتصادية وأهمية لوجستية للبلدين.

وبحكم قرب ميناء مبارك من الموانئ العراقية، بما فيها ميناء الفاو، فإنه يمكن أن يؤدي تشغيل الميناء إلى تكامل العمليات بين موانئ البلدين، وليس تنافسها، كما يروج، فلكل ميناء قدراته وإمكاناته التي تكمل الآخر من خلال التنسيق والعمل المشترك، كما أن ميناء مبارك يمكن أن يحول الكويت والعراق إلى مركز ارتكاز قوي للتجارة مع أسواق كبيرة، كسوريا وإيران وتركيا باتجاه أوروبا، وكذلك التجارة بين الشرق والغرب، إذ لا يمكن للعراق وحده إقامة وتطوير ذلك لأسباب جغرافية تتعلق بمحدودية شواطئه على الخليج، التي لا تتعدى خمسين كيلومترا بمياه ضحلة، مقابل 500 كيلومتر للشواطئ الكويتية بمياه عميقه يمكنها استقبال السفن الكبيرة، وكذلك لأسباب تتعلق بالتمويل والإدارة، كما أسلفنا.

وإضافة إلى الجوانب التجارية المفيدة للجانبين، فإن أساليب الملكية قد تغيرت تماماً في العقود الماضية، وتوسعت بصورة كبيرة ملكية الشركات المساهمة العامة، حيث يمكن تحويل ميناء مبارك مستقبلاً إلى شركة مساهمة وطرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام وتدرج في بورصة الكويت وبعض البورصات في الخارج، بما فيها إمكانية إدراجه في بورصة بغداد، وبإمكان الأفراد والمؤسسات من البلدين ومن مختلف دول العالم شراء أسهم الميناء والحصول على أرباح من عملية التشغيل، مما يعني أن الاستفادة لن تقتصر على جهة واحدة، وإنما ستشمل المساهمين كافة في الشركة، وهو ما يستجيب للتوجهات العالمية الحالية، حيث سمحت دول مجلس التعاون للمستثمرين الأجانب في السنوات الأخيرة بشراء أسهم شركاتها، مما أدى إلى استقطاب رؤوس أموال ساهمت في زيادة الاستثمارات ومعدلات النمو، إذ يمكن لمثل هذه النظرة والتقييم العمليين لميناء مبارك أن يكون فاتحة خير للكويت والعراق والمنطقة عموماً.

*خبير ومستشار اقتصادي