الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، قد رحل عنا، وغداً ذكراه 33، ولكن لم يغادر فكرنا يوماً واحداً ولن يفارق قلوبنا. كنا في زيارة عائلية إلى منزل السائق الخاص للشيخ راشد، حتى وفاته، وعندما علم بأنني أعمل في مجال الإعلام، عاتب العاملين في الإعلام على ما يراه تقصيراً في تناول سيرته الثرية.

حاولت الدفاع، فلم يقبل مني، ولم يكن المجال مناسباً للخوض كثيراً في مجلسه لموضوع لم أتوقع طرحه. بادر قائلاً: أنا أخبركم عن الشيخ راشد وقد رافقته طوال حياته، وكنت في «الشوفة» بأي وقت وظرف. يتابع قوله: في منتصف أحد الليالي، تلقيت اتصالاً من الشيخ راشد، فزعت منه وقلقت عليه، طويل العمر: «عساك بخير، قال: بخير وسهالة، أباك تمر علي الحين». فلم أسأله عن شيء، فتحركت سراعاً نحو قصر زعبيل، فإذا هو في أتم الاستعداد للخروج، فركب معي دون أن أسأله، فقال: تحرك.

عندما تحركت قليلاً، بدأ يوجهني إلى المكان الذي يريده، والليل يغرق في ظلام دامس، لا أعلم بنفسي إلى أين المسير في ظلمة الدرب غير المنير.! فكان يأمرني بالوقوف، عند بعض البيوت ويناولني ظرفاً لا أعلم ما فيه، يطلب مني أن أضع الظرف من تحت باب كل بيت يوقفني أمامه، دون أن أدرك بيت من هذا وذاك منزل من. والحق، أيضاً أنني لم أجرؤ على سؤاله، وكل ما يقول لي: أريد أن أصل إلى زعبيل قبل أن يزول سواد الليل. هكذا كان الخير عند الشيخ راشد الذي يملك كشفاً خاصاً بالمتعففين عن السؤال والإلحاح في الطلب، فكان الشيخ راشد يحفظ ماء وجوههم في ظلام الليل البهيم، ولقد رافقته في كل الليالي المظلمة، ويرفع عن الناس ذل الحاجة، وأنا لا أعلم حتى اليوم من هؤلاء الناس، ولم أسأله عنهم في حياته العامرة قط. الآن هل عرفتم حقيقة راشد باني نهضة وحضارة دبي دار الحي، خرجت من عنده وكأني حزت كنزاً كان مكنوناً في قلب الشيخ راشد، فأهدي إلى بلا تخطيط مني ولا أدنى تدبير.

في اليوم التالي من هذا الاجتماع العائلي دخلت على مسؤولي وكان الوقت يقترب من ذكرى رحيل المغفور له بإذن الله الشيخ راشد، فاقترحت عليه استعدادي للكتابة عن هذه الذكرى، إنْ لم يكن هناك من مانع، فرحب بذلك وقال عندك الموضع، فجعلته سنّة كل عام. بعد مرور عقدين على هذا الموضوع، تلقيت اتصالاً من المستشار الإعلامي لهيئة آل مكتوم الخيرية، يستأذنونني في نشر مقال لي منشور منذ مدة على الموقع الإلكتروني لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ويودون إعادة نشره في إصدار خاص عن العمل الخيري في الدولة، ولكن وجدوا في المقال نقصاً في الإشارة إلى العمل الخيري لدى الشيخ راشد. فقلت له: لقد علمت بأنك ستسأل عن ذلك، وهو كذلك لا يوجد شيء منشور في هذا المجال، إلا قصة شخصية سمعتها من مصدر موثوق، قد يحتاج إلى موافقة الشيخ حمدان بن راشد، رحمه الله. كتبت ملخصاً لما ذكرت آنفاً وبعثته إليه لاطلاع الشيوخ عليه، فلم يمانعوا من نشره، أضافوه على المقال السابق كادراً فنياً بارزاً، اكتمل من خلاله بنيان الخير في الدولة.

*كاتب إماراتي