من المعلوم أنه في الولايات المتحدة هناك حزبان رئيسيان، الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، يتنافسان على السلطة كل أربعة أعوام لدخول البيت الأبيض، وهذا يتم على كافة الأصعدة السياسية المتاحة وفق القوانين الأميركية، لكن دائماً لهذا التنافس آثار على الداخل الأميركي وحتى على العلاقات الأميركية الخارجية، ومنها العلاقات مع الدول العربية، فقد شهدنا كيف أثر التغير في هوية ساكن البيت الأبيض على العلاقات العربية بشكل كبير في عدة مناسبات، حيث أصبحت بعض الدول تغير استراتيجيتها بعد تسلم أحد الحزبين السلطة في الولايات المتحدة، وما يرتبط بذلك من تغير لأجندة الحزب وسياساته الخارجية، حتى إن بعض المعاهدات أو الالتزامات الدولية قد أُلغيت أو تم الانسحاب منها، وهذا ما حصل في عهد الرئيس «الجمهوري» السابق دونالد ترامب الذي انسحب من اتفاقية باريس للمناخ، لكن ما لبث أن عاد إليها الرئيس «الديمقراطي» جو بايدن بعد أن تسلم السلطة خلفاً لترامب.

وليست هذه وحدها بل العديد من الاتفاقات، ومنها انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، فيما تسعى إدارة بايدن لفتح باب مفاوضات جديدة مع طهران، وهذه مجرد أمثلة لبعض التناقض بين الإدارتين في المسائل الخارجية. لكن كيف يمكن للدول العربية عقد اتفاقات دائمة مع الولايات المتحدة، رغم التغيرات الدورية في هوية ساكن البيت الأبيض؟ هنا لا بد من الإشادة بقدرات دولة الإمارات وسياستها الخارجية ودبلوماسيتها الحكيمة والدقيقة، التي تتعامل مع أي تغيير في العلاقات الخارجية بشكل ذكي، إذ تغلّب المصالح الوطنية وتفرض رؤيتَها ووجهة نظرها بما يخدم مصلحتها العليا.

وقد تجلى ذلك بمرونة وقدرة على التعامل مع الحزبين في الولايات المتحدة ومَن يمثلهم، والتعامل مع أي إدارة أميركية بغض النظر عن هويتها، «ديمقراطية» كانت أم «جمهورية»، وهذا يتطلب قدرة سياسية وحنكة دبلوماسية بهدف استمرار ذات السياسات، بما تحمله من اتفاقات تحافظ على حالة التحالف المستمرة والقوية، وأيضاً على كامل الحلفاء، حتى لو لم يكن هؤلاء في ذات الاتجاه أو على ذات الضفة، وهنا مكمن قوة الجهاز الدبلوماسي الإماراتي.    

 مؤخراً، وللمرة الأولى تاريخياً، أُقيل رئيسُ مجلس النواب الأميركي، الجمهوري كيفن مكارثي، بسبب تداعيات تنسيقه مع ديمقراطيين على تمرير قانون مؤقت للتمويل الحكومي ومنع الإغلاق الجزئي للحكومة. ومن الملاحظ أن النظام القائم في الولايات المتحدة يسمح للأحزاب بالتحكم في قضايا وطنية وحكومية، وهو ما قد يغير توجهات وسياسات كبرى للدولة الأميركية، بما في ذلك منع التمويل أو حجبه، فالانقسام بين الحزبين في الكونغرس يمكن أن يتسبب في تغيير نهج الإدارة الأميركية وسياستها الخارجية، ومثال ذلك دعم أوكرانيا الذي قد يصطدم بمواقف الجمهوريين الرافضين لدعم كييف مادياً، وكذلك واقع حال مجلس النواب الحالي بعد عزل رئيسه، يضاف إلى ذلك الإغلاق الحكومي المتوقع.. فكل هذه العوامل تلقي بظلالها على الدعم الأميركي للجانب الأوكراني الذي يعتمد بشكل كبير على دعم أميركا منذ بداية الحرب. أوكرانيا التي يعتبر الرئيسُ بايدن دعمَها مصلحةً رئيسيةً للولايات المتحدة، ستكون في دائرة الخلاف الحزبي في الداخل الأميركي، وليس خلال الفترة الحالية، بل في المستقبل إذا استمرت الحرب.

فواشنطن مقبلةٌ على انتخابات رئاسية العام القادم، وستبدأ معالم المعارك الانتخابية في غضون أشهر، وستشتد قبل ستة أشهر من موعد الانتخابات، وذلك سيكون له أثر على دعم أوكرانيا، فإذا كان الحظ حليفاً للحزب الجمهوري فسيرفض دعم كييف. ولا يقتصر الأمر على أوكرانيا، فالخلافات بين الحزبين قد تنسحب على علاقات واشنطن مع العديد من الدول وعلى كثير من تحالفاتها الخارجية القائمة.

*كاتب إماراتي