عالم يتغير، ونظام دولي يتبلور، وسياسات وتحالفات وحراك لا يتوقف.. وبالتأكيد فالاقتصاد جزء من هذه المنظومة المتغيرة، بل كما يقال الاقتصاد عربة السياسة ومحركها. وما من شك في أن إنشاء الممر الاقتصادي بين آسيا والهند وأوروبا مروراً بالخليج العربي كان العنصر الأبرز في قمة العشرين التي عقدت في نيودلهي الشهر الماضي. وهذا الممر يوازي في آليته مبادرة «الحزام والطريق» التي أطلقتها الصين في عام 2013 بهدف بناء شبكة اقتصادية وبنى تحتية تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا لتعزيز النفوذ العالمي للصين ومده مِن شرق آسيا إلى أوروبا عبر جعل الدول في جميع أنحاء العالم تعتمد بشكل متزايد على الصين في سلاسل الإمدادات المتعددة.
أما الممر الاقتصادي الهندي فيتضمن، بحسب ما أعلنه قادة العشرين، إنشاءَ خطوط للسكك الحديدية وربط الموانئ البحرية لتنشيط التنمية الاقتصادية من خلال تحسين الاتصال والتكامل الاقتصادي بين آسيا والخليج العربي وأوروبا. ويتألف الممر من ممرين منفصلين، إذ يربط الممرُّ الشرقيُّ الهندَ بالخليج العربي فيما يربط الممر الشمالي الخليج بأوروبا. وقد وقَّع بالفعل قادةُ كل من الولايات المتحدة والهند والسعودية والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي على مذكرة تفاهم للعمل على تطوير الممر الاقتصادي الجديد وللإسهام في دعم العمل به مؤكدين الالتزام بتحفيز التنمية الاقتصادية من خلال تعزيز الاتصال والتكامل الاقتصادي عبر القارتين من أجل نمو اقتصادي مستدام وشامل يخدم خطوط الإمدادات الاقتصادية في العالم، ويسهِّل وصولَ البضائع إلى المنطقة المستهدفة أسرع بمقدار 40% من سرعتها الحالية، فضلاً عن دوره المتوقع في تعزيز التجارة في قطاع الطاقة بين آسيا والشرق الأوسط وأوروبا.
وهذا الممر المنتظر، وعطفاً على تصريح رئيسة المفوضية الأوروبية أرسولا فون دير لاين بأنه بالإضافة إلى كونه ممراً يعزز الموانئَ والسككَ الحديدية فإنه مشروع يربط بين الحضارات والقارات، حيث يتضمن الاستثمارَ في سلاسل الإمداد المحلية والطاقة النظيفة واليد العاملة وتقارب الثقافات.
الممر المزمع العمل به قريباً بمثابة حلقة وصل سوف تقلص المسافة والوقت لحركة التجارة والتصنيع الحالية، وتعزز الأمنَ الغذائي وتنشط سلاسل التوريد، فضلاً عن إسهامه في ضخ استثمارات جديدة بين الشركاء، بما في ذلك القطاع الخاص وخدمات الاتصالات وتنمية الاقتصاد الرقمي وتعزيز نقل البيانات من خلال كابلات الألياف البصرية، وتذليل عملية نقل الطاقات المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب من أجل تعزيز أمن الطاقة وتطوير الطاقة النظيفة، وزيادة طرق الطيران.
ومن أهم مميزات هذا الممر المواءمة بين الدول التي تهدف إلى المستهدفات الحضارية والرؤى ذاتها، فضلاً عن خلق فرص عمل نوعية في مناطق عدة، وبالأخص منطقة الخليج التي يأتي دورها فاعلاً ومحورياً ومهماً في هذا المشروع الرائد والضخم.
ويتردد كثيراً أن هذا الممر الاقتصادي الكبير يعد منافساً لطريق الحرير الصيني من حيث الهدف الذي يتمثل في تعزيز الروابط بين الدول في مختلف القارات، لكن مبادرة «الحزام والطريق» الصينية تعد أكبر من حيث الحجم مقارنةً بالممر الجديد، إذ أعلنت الصين توقيعَها اتفاقياتٍ في إطار مبادرة الحزام والطريق مع أكثر من 150 دولة، بينها دول مجلس التعاون الخليجي، كما حشدت حوالي تريليون دولار بغية الانتهاء من أشغال المشروع بحلول عام 2049.

*كاتبة سعودية