في ضوء الأحداث الدموية الأخيرة بين إسرائيل وحماس، يصعب التنبؤ بنهاية هذه الحرب، وبالطبع، ليس من الوقت المناسب وضع أي توصيات سياسية. هذا يأتي نتيجة لاستثنائية الأحداث التي شهدناها، حيث شنت حماس هجوماً مفاجئاً على إسرائيل، أسفر عن سقوط العديد من الضحايا والأسرى بين المدنيين والعسكريين، وقد قارن البعض هذا الهجوم بأحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، حيث أشار وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى أن حجم الدمار الناجم عن هذا الهجوم في إسرائيل يعادل عشر مرات حجم ما حدث في 11 سبتمبر. لذلك، في هذا السياق المتوتر والمعقد، يجب على الجميع أن يتوقفوا ويحاولوا فهم تأثير هذه الحرب بين «حماس» وإسرائيل على الساحة العالمية، وتحديداً ما يتعلق بمفهوم تعدد الأقطاب والتحديات التي تنشأ عنه.

في هذا السياق، قرأت مقالاً بعنوان «السياق العالمي للصراع بين حماس وإسرائيل» للكاتب ديفيد ليونهارت، نُشر في صحيفة «نيويورك تايمز» بتاريخ 9 أكتوبر، 2023. يُشير المقال إلى أن هجمات حماس على إسرائيل تعكس تحولاً عالمياً جديداً بموجب نظام متعدد الأقطاب.

الولايات المتحدة لم تعد القوة الرائدة كما كانت، والهجمات «الحمساوية» تعزز التوترات التي تعتبر تهديداً لاستعادة القوة الأميركية. تأتي هذه الهجمات في سياق تداول مفاوضات السلام بين السعودية وإسرائيل بإشراف أميركي. يُمكن تفسير هجمات «حماس» على أنها محاولة لعرقلة تعزيز القوة الأميركية، خصوصاً إذا حولت إسرائيل غزة إلى أنقاض رداً على الهجمات، مما قد يعرقل أي اتفاق بين السعودية وإسرائيل. هذا من شأنه أن يؤثر سلباً على موقف الولايات المتحدة، خاصة بعد دعمها الكبير لإسرائيل، الذي يعتبره البعض متحيزاً بالكامل لصالح إسرائيل، مما يعزز الاتجاه نحو تعدد الأقطاب في العالم.

وأوضح الكاتب أن الدول المهيمنة لا تحتفظ بسيطرتها بشكل دائم، ولكن الولايات المتحدة أيضاً ارتكبت أخطاء استراتيجية تُعجل من تسريع نشوء عالم متعدد الأقطاب. أحد هذه الأخطاء هو افتراض سذاجة قادة الحزبين السياسيين في الولايات المتحدة الأميركية بأن الصين، نظراً لثرائها، ستتحول تلقائياً إلى شريك متعاون ودي، إلا أنهم أغفلوا حقيقة أن السياسات التجارية التساهلية للولايات المتحدة ساعدت في بناء منافس لها.

وفيما يتعلق بأفغانستان والعراق، أمضت الولايات المتحدة سنوات مكلفة في حروب غير مبررة اختار جورج دبليو بوش أن يبدأها، كما ساهم الانسحاب المهين من أفغانستان تحت قيادة الرئيس جو بايدن في تقويض صورة الولايات المتحدة كدولة تبدو أضعف.

يمكن للبعض أن يحتفل بتلاشي الحقبة الطويلة للهيمنة الأميركية، التي شهدت معها ظواهر ظلم فظيعة، سواء في أفغانستان أو العراق، والانتهاء من دور «شرطيّ العالم» الذي اتخذته الولايات المتحدة كمفخرة. الآن، وفي ظل هذه الأحداث الخطيرة والحاسمة، يبقى سؤال مهم: هل سيكون لعالم متعدد الأقطاب القدرة على الإدارة بشكل أفضل وتحقيق تقدم ملموس؟

*باحثة سعودية في الإعلام السياسي