الأولوية لدى جماعات الإسلام السياسي دولاً وتنظيماتٍ هي لجمع الأموال، وكل الأولويات المعلنة تأتي بعد ذلك لديها، فلا «الجهاد» في سبيل الله ولا «فلسطين» أو «غزة» ولا «أفغانستان» لها أولوية حقيقية بالنسبة لهذه الجماعات، إلا أنها وسيلة مهمةٌ لاستدرار التعاطف الإنساني النبيل من الناس ومن ثم جمع الأموال.

في كل الأزمات التي مرت في العقود الماضية يأتي جمع الأموال على رأس قائمة اهتمامات هذه الجماعات، وتنشأ لذلك الجمعيات الخيرية وتُجمع التبرعات والصدقات تحت عدد لا يحصى من المسميات التي تناسب كل أزمةٍ، وقد علم أكثر الناس أن هذه الأموال والتبرعات لا تصل في الأعم الأغلب لمستحقيها، ولكن تذهب لدعم التنظيمات والجماعات في أماكن أخرى كما تذهب لملء أرصدة قياداتها ورموزها، والأمثلة لا تحصى كثرةً.

في أزمة غزة الحالية وحجم المآسي المفجع الذي جرى وسيجري هناك، علت الأصوات لجمع التبرعات خارج نطاق الدولة في كثيرٍ من البلدان وعبر الإعلانات المشبوهة في وسائل التواصل الاجتماعي ونحوها، وقد حذرت العديد من الدول كالإمارات والسعودية وغيرهما من الجمع غير القانوني للتبرعات، وحثت على التبرع من خلال مؤسسات الدولة الخيرية المعروفة والمضمونة ومن يخالف ذلك فهو تحت طائلة القانون.

لحظات الكوارث الكبرى، طبيعية كانت أم مصطنعة، تعتبر لدى جماعات الإسلام السياسي وتنظيمات الإرهاب مثل «البقرة الحلوب» أو «الدجاجة التي تبيض ذهباً» فمن خلالها يعبئون خزائن التنظيمات وأرصدة البنوك للرموز والقيادات لإدارة معارك مع دولهم نفسها وضد مواطنيهم وبلدانهم، وكم صنعوا ذلك وما زالوا يفعلون، وعلى الرغم من السياسات المعلنة لعددٍ من الدول العربية بتصنيف جماعات الإسلام السياسي جماعاتٍ إرهابيةً، وتجريم الانتماء إليها أو دعمها مادياً أو معنوياً بحكم القانون إلا أنها تجد مخارج دائماً لتسويق نفسها بعيداً عن هذه السياسات المعلنة والصارمة، ولا غطاء أهم لديها من لحظات الكوارث والأزمات.

ليفتش الجميع عن كل جمعية أو شخصية تجمع التبرعات بشكل غير رسمي، وما أكثرهم في «السوشيال ميديا»، وليعلموا جيداً ويتأكدوا بأن هذه الأموال لن يذهب منها شيء لغزة لا لعمل إغاثي ولا لإنقاذ مريضٍ أو معالجة مصابٍ أو إعالة فقيرٍ أو تغيير وضع مأساوي، بل جميعها ستذهب لتمويل التنظيم والجماعة المحظورة أو لجيوب الرموز الذين ينادون بها ويجمعونها.

كل من يسعى لجمع التبرعات ويتحدث عن مآسي غزة والفلسطينيين فهو صادق في ذلك، ولحظة الافتراق هي فيما بعد هذا، فإن طلب التبرع للمؤسسات الخيرية التابعة للدولة فهو صادق وبارٌ في ما يقول، وإن طلب التبرع لجمعياتٍ غير معروفة أو حساباتٍ بنكيةٍ في دولٍ خارجيةٍ فهو محتالٌ نصّابٌ يسعى لسرقة الأموال، أو هو من أتباع الجماعات المتطرفة ويجمع الأموال ليعزز من قوة تلك الجماعات والتنظيمات ويدعم الإرهاب والإرهابيين، ومن يستجيب لمثل هؤلاء فهو شريكٌ في الجريمة ما دام لم يحتط لنفسه.

الجماعات التي ترتكب الحماقات الكبرى وتجرّ على أهلها الويلات ينطبق عليها المثل العربي القديم الذي يقول: «أشأم من أحمر عادٍ» وهو الرجل الذي عقر ناقة صالح فجرّ على قومه ثمود الهلاك، وأشد من هذا أنها تخطط وتنفّذ هذه الحماقات وتستعد لما بعدها، ثم بعد ذلك كله تبدأ في اتهام الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره في غزة بأنه هو من ارتكب تلك الأفعال وتنأى بنفسها عنه وعن مصيره، وهذه سبة الدهر لانعدام الأخلاق فيها ولمخالفتها الصريحة للقيم العربية النبيلة والمعاني الإنسانية المحمودة. أخيراً، فالوقوف مع الشعب الفلسطيني في مأساته واجبٌ، والتعاطف مستحقٌ، ولكن يجب الحذر من أي استغلالٍ لتلك المأساة أو توظيفٍ لهذا التعاطف.

*كاتب سعودي