لا تتردّد دولة الإمارات في تقديم الإجابات عن الأسئلة الصعبة، والتصدي بشجاعة ووعي للقضايا الأكثر إلحاحًا التي تواجهها الأمّتان العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضايا المتعلقة بتجديد الخطاب الديني، وتشجيع الاجتهاد المبني على دعائم شرعية متينة.
وتنطلق الإمارات في ذلك من يقين بأن أي انطلاق حضاري يقوم على الجانبين الروحي والمادي معًا، وأن المنظومة الثقافية القيمية لا يقلّ دورها بأي حال عن التقدم العلمي والاقتصادي. والدين، في العالمين العربي والإسلامي، هو الجانب الأكثر فعالية والأعمق تأثيرًا في هذه المنظومة. ولذا، فإن تطوير خطاب ديني قادر على استيعاب التغيرات السريعة، وتحديث العلوم الدينية وتطويرها، والخروج من الركود والجمود الذي لازمها طويلًا، يمثل مهمة عاجلة لا يجب التأخر في أدائها. وتُترجم دولة الإمارات هذا الفهم إلى عمل دائب وجهود فكرية وبحثية، تُمثّل نموذجًا لغيرها من الدول والمجتمعات للإسهام في هذه المهمة الجليلة.
ويمكن للوقوف أمام المؤتمر العالمي الثاني لـ«مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي»، الذي ستحتضنه العاصمة أبوظبي يومي 7 و8 نوفمبر 2023، تحت رعاية سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، أن يلقي أضواء أكبر على التطبيق العملي لفكرة تجديد الخطاب الديني في أحد مجالاته الحساسة، وهو مجال الفتوى. 
ويعزز المؤتمر الثاني، الذي يحمل عنوان «نحو الاستيعاب الشرعي للمستجدات العلمية - المنهجية الحضارية، والتطبيقات الواقعية، وأخلاقيات الاستدامة»، الفكرة التي أرساها المؤتمر الأول، في يوليو عام 2020، مع بداية أزمة «كوفيد 19»، تحت عنوان «فقه الطوارئ»، وتضمّنها بيانه الختامي، وهي «دعوة الفقه الشرعي والفقهاء لكي يواجهوا الحالات الطارئة والمستجدّات المتكاثرة والمتتابعة، في عالم دائب التطوير» والتعاون مع «مختلف مؤسسات ومنابر البحث العلمي من جامعات ومعاهد ومراكز ومجلات متخصّصة.. إسهامًا من الفقه الإسلامي المعاصر في حلّ مشاكل المجتمع، وتعريفًا بغنى التراث الفكري الإسلامي، وبحاجة البشرية إليه في كل زمان ومكان». 
ويكشف عنوانا المؤتمرَين عن توجُّهٍ إلى ربط الفتوى بقضايا الواقع، وإبعادها عن الموضوعات المنفصلة عن حياة الناس واهتماماتهم، ويعني ذلك فتح المجال أمام رؤى جديدة بحكم جِدّية الموضوعات وراهنيتها. كما أن هناك عاملًا آخر لا يقلّ أهمية في كلا المؤتمرَين، من شأنه أن يُحدِث تعديلًا أساسيًّا وضروريًّا في مجال الفتوى، وهو منح المختصّين في الفروع العلمية المختلفة الفرصة للإسهام بالرأي المتخصّص، والاعتراف بدورهم المحوري في الإفتاء، باعتبارهم الأقدر على فهم الجوانب العلمية الدقيقة للقضايا التي تشغل الناس حقًّا، ويحتاجون فيها إلى الفتوى الشرعية.
ويتجلّى هذا التطوُّر المهم في حديث سعادة الدكتور عمر حبتور الدرعي، مدير عام مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، الذي أشار إلى «تحدّيات مجال الإفتاء وفُرَصه التي فرضتها وتفرضها التغيرات والتحولات الجديدة في الفضاء والمناخ والبيئة والطبّ والرقمنة، ومجال الذكاء الاصطناعي الذي أصبح شريكًا مؤثرًا في حياتنا». ولا شك في أن مجرَّد صياغة القضية على هذا النحو تُعدُّ نقلة على مستوى الخطاب الشرعي، وتستتبع بالضرورة نهجًا مختلفًا في التعامل معها، أوضحه الدكتور الدرعي بقوله إنه «يستدعي الشركاء من العلوم والتخصّصات الأخرى ليقدّموا لنا تصوراتهم الواقعية حول هذه القضايا، لنقوم بناء على ذلك ببناء الرأي الشرعي».
إن فتح الآفاق أمام تصورات أرحب في مجالٍ ظل عصيًّا على التغيير زمنًا طويلًا ليس بالأمر السهل، لكن دولة الإمارات اعتادت خوض التحدّيات الكبرى، واثقة بأنه لا مستحيل أمام اجتماع صِدق العزيمة، ونبل المقصد، والعمل بوعي وجدٍّ من أجل تحقيقه.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية